كان مؤلفو العرب يعنون عناية فائقة بوضع كتب الخلاصات للعلوم والفنون والآداب؛ وكانت كتبهم تكبر وتكبر حتى تغدو موسوعات ضخمة تسعف القارئ بما يحتاج إليه من المعارف العامة والنبذ الخاطفة من كل علم وفن؛ ولعل كتاب الأغاني هو أول موسوعة عربية من نوعها. ومن الموسوعات العربية أيضاً كتاب نهاية الأرب للنويري، وصبح الأعشى للقلقشندي ولسان العرب لابن منظور المصري، والعقد الفريد لابن عبد ربه ومسالك الأمصار، وتاريخ بغداد. . . الخ، وقد أقتبس الغرب هذه الطريقة الموسوعية عن أسلافنا العرب، فوضع ديدرو موسوعته الفرنسية، ثم كان للإنجليز موسوعتهم كذلك، ونحسب أن الموسوعة الإيطالية الحديثة التي اشترك في وضعها الطاغية موسوليني هي أكبر موسوعات العالم قاطبة، وإن تكن لا تفضل الموسوعة البريطانية في الدقة وتوخي الحقيقة فيما حفلت به من سائر المعارف العالمية، ولكن هذه الموسوعات غالية الثمن غالباً؛ ولا يستطيع الأفراد إلا الأقلون منهم اقتناءها لهذا السبب، فثمن الموسوعة البريطانية الرخيصة مثلاً (الطبعة الرابعة عشرة) خمسة وعشرون جنيهاً أو أكثر، إذا دفع الثمن على أقساط؛ وثمن الطبعة الغالية أكثر من خمسة وسبعين جنيهاً مصرياً. وقد وضعت شركة الكتب الإنجليزية دائرة معارف للأعلام على طريقة وفيات الأعيان لابن خلكان وجعلت ثمنها أربع جنيهات.
لذلك راجت كتب الخلاصات في أوربا عامة، وإنجلترا خاصة، وكان
الأديب الإنجليزي الكبير هـ. ج. ولز هو المبتدع لهذه الطريقة
الطريفة، وذلك حين وضع كتابه الجميل (خلاصة تأريخ العالم)،
يستعرض فيه تأريخ الحياة في هذه الدنيا منذ بدء الخليقة إلى اليوم،
فأنت تقرأ فيه لمحة من كل علم، وطرفة من كل فن، وخطفة من كل
أدب، وينتقل وتر من الجيولوجيا إلى الانثروبولوجيا، إلى البيولوجيا،
إلى التأريخ، إلى الآداب، إلى الفنون، إلى العلوم، إلى الحركات الفعالة