أشار الدكتور زكي مبارك إلى حديث لي لخصته صحيفة العزيمة الأسبوعية بقلم مراسل من مراسليها ولخصه الدكتور في قوله إن الأدب ينبغي (أن يكون للأدب، فلا يكتب الكاتب غير ما يوحي به الطبع، وهو يعني بالحقائق الخالدة؛ أما المشكلات التي تتعلق بالطبقات المختلفة فهي مشكلات وقتية يناط تدبيرها بالرجال الإداريين)
ثم قال الدكتور:(أما بعد فهذه، مشكلة من أصعب المشكلات، وللأستاذ عباس العقاد أن يوضح رأيه كما يشاء)
ورأيي في هذا الموضوع الذي يستحق التوضيح إن الأديب لا يغض من أدبه أن يكتب في مسائل الاجتماع والإصلاح الموقوت، ولكن الكتابة في هذه المسائل ليست شرطا من شروط الأدب وليست حتما لزاماً على كل أديب
لان الأدب التعبير، والتعبير غاية مقصودة، وغاية كافية، وغاية لا يعيبها أن تنفصل عن سائر الغايات
ولا فرق بين الأديب المعبر بنظمه ونثره وبين الموسيقي المعبر بألحانه ونغماته. فكلاهما يصف النفس الإنسانية في حالة من حالاتها، وكلاهما مستقل بوحيه لا يشترط فيه أن يتعرض لعمل المصلح الاجتماعي أو الباحث الأخلاقي أو الناظر في مشكلات الثروة وشؤون المعيشة
وإنما جاء اشتراط البحث الاجتماعي أو الاقتصادي على الأدباء وأصحاب الفنون بدعة من بدع المذهب الاشتراكي في العصر الحديث، وهو مع هذا نقيض الدعوة الاشتراكية في الأساس والصميم
لان الدعوة الاشتراكية تستكثر على الفقراء أن يستغرقوا حياتهم في طلب القوت والاشتغال بأعباء المعيشة، وترى أن الحياة الصالحة هي الحياة التي يقل فيها جهد العمل، وتكثر فيها فرص المتعة بالنعيم
فإذا كان هذا هو رجاءها الأعلى وغايتها القصوى، فمن اعجب العجب أن تجعل الخبز وضرورات المعيشة شاغلا لكل عامل وقائل، ومحوراً للأحلام والآمال، وفريضة لا يعفى