للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القَصَصُ

حديقة الذكرى

للكاتب الفرنسي جي دي موباسان

للأستاذ زكريا أحمد قليبو

قال جون بربدللي: لقد خانني الحظ قليلاً.

قضيت زمناً طويلاً في أيام العزوبة شاهدت فيها حرباً شعواء استطعت خلالها أن أكون واسع الخطى فوق أجساد الموتى دون شفقة ولا رحمة، وذلك دأب الطبيعة البهيمية، فقد لمعت حقائق جلية وآلام غامضة وخيانة خفية كانت سبباً في إثارة هذا العالم وبلبلة أفكاره حيث فتح هذا الباب السري على مصراعيه لنقاسي فيه ما قد قدر أن يكون. إنه لأمر جلل وخطب مدلهم وداء عضال أخذ يزداد تعمقاً وتشبثاً فكأننا نستحق هذا الجزاء فلا وزر من لسع هذا الشوك وقد ازداد التشبث واضطرمت النيران ووضعت الحرب أوزارها مما جعلنا نهذي كهذيان الممسوس، وصارت الأرواح تحوم فوق الأجساد تئن وتتألم، فساد الحزن البلاد وكدنا خلاله أن نفقد وعينا وإحساسنا لولا أن رضنا قلوبنا على مقاومة هذا التيار الجارف الخطير وتحطيمه.

أجل، لقد نجحت تلك المقاومة، وإنها لصورة باهرة من صور الحياة.

ويجول في خاطري شيئان يؤثران في إحساسي العميق لولا أن العاطفة قد تخفف عني شيئاً من هذا التهيج والانفعال السريع، وسأسرد لك شيئاً واحداً من هذين، وهو حادث خيالي قد انطبع في مخيلتي وطالما يعاودني كأنه حصل لي بالأمس.

أنني أتجاوز الخمسين من العمر ولقد كنت يومئذ شاباً في ريعان الشباب ينتابني شيء من الأسى والأرق وكثير من أحلام الشباب التي كادت تذهب مع الرياح.

لقد شغلني ملهى كان يتألق بغاداته الحسان حيث كنت كثير التردد عليه.

وهذه الحياة على ما يكتنفها من غموض حافلة بالجمال وأي جمال. الجمال الذي لا يسير على أسلوب واحد، بل الذي يتغير باستمرار.

وفي يوم من الأيام نهضت باكراً وأخذت أتجول في حديقة الأطفال في لوزيمبرغ، كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>