إن من أعظم مزايا الشريعة الإسلامية، وأبرز محاسنها - إرشادها إلى أعظم وسيلة لإصلاح المجتمع، وتنقيته من أدراك الشر والفساد، وخير أداة لإصلاح الأفراد والجماعات، وتحقيق التضافر والتعاون الاجتماعي - تلك هي الدعوة إلى الخير؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من فروض الكفاية، إذا قام به بعض الأمة سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثموا جميعاً ووقعوا في حوب كبير، ولم يكن فرض عين فلم يجب عليهم أجمعين لما ينبئ عنه قوله عز وجلّ:(وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، ولأنه من عظائم الأمور وعزائمها التي لا يضطلع بها ولا يتولاها إلا من هو أهل لها - والأهلية تتحقق بشروط: منها العلم بالأحكام، ومراتب الاحتساب، وطرق إقامة هذا الواجب، ومعرفة الأحوال المختلفة وما يناسب كل حالة، فإن من لا يعلم ذلك قد يأمر بمنكر، وينهي عن معروف، ويغلظ في مقام اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من لا يزيده الإنكار إلا تمادياً وإصراراً - كما يشترط في الوجوب التمكن من القيام به، غير أن الأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً - على حسب المأمور به - أما النهي عن المنكر فهو واجب في كل حال لأن جميع ما أنكره الشرع حرام.
وإنما وجب ذلك لأن صلاح الأمة في أمر دينها ودنياها، ونفي الفساد عن الأرض، وتقليل الشرور والآثام - لا يكون إلا بأداء هذا الواجب، فإن الظالمين والمفسدين ومرتكبي الآثام إذا تركوا وشأنهم - من غير نكير - استشرى داؤهم وتفاقم شرهم، وكثر سوادهم، فتقع الأمة في بلاء عظيم وسوء لا مرد له، وتبوء بسخط من الله وعذاب، وذلك هو الخسران المبين.
والأصل في ذلك ما ورد في الكتاب والسنة من تلك النصوص التي جمعت بين القوة