للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من المفسرين في عصر الحروب الصليبية:]

القرطبي

الأستاذ أحمد أحمد بدوي

محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح، من اشهر مفسري ذلك العصر، وقد بقي لنا تفسيره كاملا.

ولد بقرطبة من بلاد الأندلس، وتلقى بها ثقافة وسعة في الفقه والنحو والقراءات، وسمع من أبى العباس أحمد بن عمر القرطبي بعض كتابه: المفهم في شرح مسلم، ودرس البلاغة وعلوم القران واللغة، ثم وفد إلى مصر، كما وفد غيره من علماء الأندلس، وكانت بلادهم في ذلك الحين تتخطفها الفرنجة، ولست ادري متى قدم إلى مصر. واستقر في الصعيد، بمنية ابن خصيب (المنيا)، يقضي وقته بين العبادة والتاليف. ويقول مؤرخوه عنه: أنه كان من عباد الله الصالحين، والعلماء الورعين الزاهدين قال عنه الذهبي: إمام متفنن، متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على إمامته وكثرة اطلاعه. وفور فضله وقال عنه صاحب شذرات الذهب: كان إماما علما من الغواصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل.

وترك القرطبي مؤلفات شتى، أهمها كتابه في التفسير الذي سماه (جامع أحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان) وتقوم دار الكتب بطبعه، وتقدر إنها ستتمه في عشرين جزءا. وهو لا يقف في تفسير القرآن عند حد ما روي من ذلك عن الرسول والسلف الصالح، بل يتخذ ما أوتيه من أدوات العلم وسيلة يستعين بها على فهمه، وإن كان يعد معرفة ما اثر من ذلك ضروريا فهم كتاب الله. وهنا يحسن بنا أن نوضح الرأي الذي اختاره لنفسه في كتابه، فقد عقد بابا لما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي، والجرأة على ذلك (ج ص٢٧ طبع دار الكتب) وفي هذا الباب أورد ما روي عن عائشة أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسفر من كتاب الله إلا آيا بعدد، وعلمه إياهن جبريل. وقد رأى في ذلك ما رآه ابن عطية، من أن معنى الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله، ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا يتوقف من الله تعالى. ومن جملة مغيباته ما لم يعلمه الله به، كوقت قيام الساعة ونحوها. ثم نقل ما رواه الترمذي عن ابن عباس عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>