للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خواطر سياسية وأدبية]

للدكتور السيد محمد يوسف الهندي

إن للأقوام أمزجة وطباعاً كما أن للأفراد ميزات وخصائص. وقد عرفت حينما كنت بالهند أن مما يمتاز به الشعب المصري شدة التأثر بالحاضر، وانشغال القلب بالحال إلى حد تكييف الماضي به وعدم المبالاة بالمستقبل في بعض الأحيان، وربما اتخذت هذه الميزة مظهرين لها اعني قوة الانفجار والوثوب لمكافحة الشر المستفحل الماثل أمام العين، والركون إلى كل قليل أو كثير يبشر بالخير ولو إلى وقت ما.

كنت أعرف هذا على طريق الإجمال قبل ورودي مصر، ثم صادف أن ألقيت عصا التيار بشط وادي النيل وقضيتها معروضة على مجلس الأمن، فحرصت على أن أتتبع الحوادث والتطورات مع آراء الرجال واتجاهات الأحزاب إزاءها، كما اقرأها على صفحات الجرائد وأشاهدها بعيني في الشوارع والأندية. فبينما أنا معجب كل الإعجاب بروح العداء للاستعمار الأجنبي السياسي (أخص بالذكر (السياسي) لأنني مع الأسف لم ألمس نفس تلك الروح في ميادين الاقتصاد والتقاليد الاجتماعية ومنهاج الفكر) التي أيقنت إنها عمت الشعب كافة، إذا بسيل من الكلمات تتدفق على صفحات الجرائد داعية إلى خطة التقرب من الدب نكاية بالأسد على اثر تأييد روسيا لمطلب مصر الخاص بالجلاء (دون اتحاد السودان معها)، فأسهب المحررون والكتاب في التنويه بصداقة روسيا وضرورة استيراد القمح منها وإنشاء العلاقات الاقتصادية والتجارية معها هي ومن تسايرها من الأمم مثل بولندا دون الأمم الانجلوسكسونية.

وقفت حائراً أمام هذا الموقف المفاجئ أفكر في نفسي في مدى جدوى مثل هذه الحماسة البالغة في الاعتراف بالجميل وتقديم الشكر عليه في ميدان السياسة الدولية في القرن العشرين، ولكن الأمر كان بالطبع موكولاً إلى الأيام أن تثبت هل ستستقر سياسة العرب على هذا التحول الجديد أم لا؟

ثم حدث أن رأيت الشبان يثورون على البن ويثأرون من أصله (البرازيلي)، وما لبثت ثائرتهم أن سكنت بمجرد محو اسم البرازيل من واجهة المحل مع بقاء جميع الأوضاع كما هي حسبما أعلم، كما انهم يقتنعون بلصق لافتات (إنقاذ فلسطين) على أبواب المحلات

<<  <  ج:
ص:  >  >>