الكبرى بشارع فؤاد وهم يعلمون حق العلم أن أصحابها اليهود هم في الحقيقة عماد الصهيونية في الشرقين الأدنى والأوسط، وانهم إنما يستغلون الوطنية والجنسية المصرية بدون أن يشاركوا المصريين في آمالهم أو يواسيهم في آلامهم.
هذا، ومما زادني دهشة أن اتفق زعماء الأحزاب على ركوب سيارة واحدة تطوف بهم حول القنصليات لتأدية واجب الشكر لبعض الدول والشكاية إلى بعضها الآخر، وخطب ود (أو بالأحرى صوت) جميعاً، وربما كانوا مصيبين في خطتهم هذه تظاهراً بإجماع رأيهم واتحاد كلمتهم، ولا سيما إذا هم عجزوا عن الظهور في مظهر أروع من ذلك، ولكن آلمني كثيراً البيان الذي أدلوا به أمام سفير فرنسا. ومن شاء فليراجع (الأهرام) فقد لهجت ألسنتهم بذكر الآمال الجليلة التي كان العرب عقدوها بفرنسا منذ بداية العصر الحديث، ومن بينها الأمل الضائع (لا قدر الله له أن يتحقق) في مزاحمة فرنسا للاستعمار البريطاني في مصر!
أنا واثق بأن كلاً من هؤلاء الزعماء الكرام لا يريد إلا الاستقلال التام لبلاده، ولكن من الصعب أن يجد أحد أي مبرر ولو في اشد الأوقات حرجاً لتوجيه مثل هذه الدعوة إلى دولة قد ذاق العرب في مختلف الجهات ولا يزال إخوانهم في المغرب يذوقون الأمرين من جراء استعمارها، وعلى الأقل فهي الغاية لقصر النظر في الأحوال والظروف الطارئة من يوم إلى يوم
لم يمض إلا وقت قليل حتى كشرت روسيا عن أنيابها، فكانت من اشد الأنصار لتقسيم فلسطين، وبلغ الحال أن بدأ ممثلو العرب وزعماؤهم يستغلون موقف روسيا العدائي لتخويف أمريكا وبريطانيا بعد أن ضيعوا أنفاسهم واتعبوا أقلامهم يستنجدون بصداقتها ضد تينك الدولتين منذ بضعة أشهر فقط.
وأخيراً لم يتمالك عرب فلسطين أن بادروا إلى رفع أعلام أمريكا على بيوتهم والهتاف بحياتها في الميادين والشوارع حينما خيل إليهم أن أمريكا نفضت يدها من مشروع التقسيم. وما من شك أن مثل هذه المظاهرة لا يمكن أن تكون طبيعية، إنما كانت مدبرة من الزعماء الذين تسرعوا في الاعتزاز بأنفسهم والتبشير لشعبهم والتسليم لأمريكا بما يتاجرون به من صداقة العرب.
لا أدري ماذا صنعوا بتلك الأعلام في اليوم التالي حينما صرح الرئيس ترومان بأن العرب