أو زعماءهم جاوزوا الحزم في حمل موقف أمريكا الجديد على التبرؤ من فكرة التقسيم. لا ادري ماذا صنعوا بتلك الأعلام؟ هل نكست ومزقت وحرقت، أو ادخرت لمناسبات أخرى في المستقبل؟ وعلى كل حال فقد تبين أن السياسة القصيرة المدى التي تعيش بها من اليد إلى الفم ربما تؤدي إلى مهازل وفضائح ومآسي، وإنما مرد ذلك إلى أن الزعامة لا تزال بأيدي رجال لا يتعدى فكرهم نطاق التحين للفرص، فهم يتهيبون ويماطلون في كل خطوة إيجابية جريئة ترمي إلى قلب الأوضاع وخلق الظروف المواتية لقضيتهم، وذلك أول الوهن.
إنما سردت ما سردت من تأثراتي لأهم ما وقع في العالم العربي السياسي أثناء البضعة أشهر الماضية لأخلص منها إلى الكلام عن أهم حادث في العالم الأدبي، أعني ظهور (الفتنة الكبرى - عثمان بن عفان) من تصنيف الدكتور طه حسين. وقد أتفق لي أن قرأت انتقاد الأستاذ محمود محمد شاكر لهذا الكتاب قبل أن تتاح لي الفرصة لمطالعة الكتاب نفسه.
نعم، قرأت انتقاد الأستاذ على صفحات (الرسالة)، فعجبت لما بذل من جهد في سبيل إقامة الحجج والبراهين على عداء اليهود للمسلمين والإسلام. وما أغناه عن ذلك فإنها حقيقة أظهر من الشمس لكل ذي عينين نبه عليها القرآن وأكدها النبي وصدقتها التجارب المتكررة، إنما جبن المسلمون فتعمدوا نسيانها والإعراض عن الشهادة بها حينما ذهبت ريحهم فأصيبوا بمركب النقص في تفكيرهم حتى بدءوا يلتمسون الرقي والتقدم في محاكاة الأمم الغربية المتحكمة فيهم، فأقاموا حياتهم السياسية الحديثة على أساس النظريات الأجنبية غير الإسلامية من القومية والوطنية، وأرادوا أن يستمدوا القوة من الاشتراك في الماء والهواء وبعض الأغراض المادية التي هي الأصل عند الكفار، والمشركين الذين لا يعيشون إلا لها. أما المسلم، فإنما يعيش بها لتحقيق المبادئ السامية والقدور العالية والأخلاق الفاضلة ومقاييس الصواب والخطأ والحلال والحرام التي هي المقومات الجوهرية لكل حلف دائم ليتتبع ولاء صادقاً، والتأمين على الغش وطغيان طائفة على أخرى، ولكن أتى على المسلمين زمن سولت لهم أنفسهم فيه أن يخجلوا ويتبرءوا من كل ما ينم عن فكرة دينية، حتى ولو كان من المبادئ المقررة والحقائق التاريخية الثابتة لكي