الأدب عبير الروح، وشعاع النفس، ونضح العواطف. يتأثر حتما بما ينال أولئك من تطور الحياة، وتغير الناس، وتقلب الزمن؛ فهو يطيب أو يخبث، ويضطرم أو يخبو، ويمر أو يحلو، تبعاً لما يعرض للروح والنفس والعاطفة من أحوال الضعف أو القوة، والفساد أو الصلاح، والانحطاط أو السمو.
فالأدب العربي كان صادقاً حين فاض بالبطولة، وزخر بالحماسة، وجاش بالعزة، في عهوده الأولى أيام كان يمده العرب من قوتهم بالروح، ومن سلطانهم بالنبل، ومن حريتهم بالكرامة.
والأدب العربي كان صادقاً حين لج في الضراعة، وضج بالشكوى، وأن من الألم، وتحدث عن فسوق الخُلق المنحل، وإيمان القلب المستذَل، وضلال النفس المريضة في مذاهب القِحة، في عهوده الأخيرة أيام وهنت عزائم الملوك، ووهت دعائم الملك، وتخلت يد العرب عن زمام الدنيا، فوقعت الفوضى، وحدث الخلل، ولجأ الناس بعضهم إلى الله وراء شيوخ الطرق، وبعضهم إلى الشيطان وراء قطاع الطريق!
والأدب العربي الصادق اليوم في الإبانة عن هذا الشك المخامر في قدرتنا على التفكير الأصيل، واضطلاعنا بالأمر الجليل، واستقلالنا بتبعات الرأي وتكاليف الحياة. فان اعتقادنا الإيحائي المزمن بتفوق الأوربي وامتيازه سلب من نفوسنا الثقة، ومن قلوبنا الايمان، ومن عقولنا الاصالة، ومن شعورنا السمو، وتركنا كالعبد المملوك لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه، ينقل فيما يقول عن لسانه، ويصدر فيما يعتقد عن قلبه.
فأديبنا يجهل اللغة العربية كل الجهل، ويعلم اللغة الأوربية كل العلم، لأنه إذا تكلم بها أو كتب فيها شعر بذلك الامتياز الذي يلازم أهلها في بلاد الشرق. وأديبنا يقرأ الأدب الأجنبي ويغفل الأدب العربي، لأن هذا أدب قوم كانوا يلبسون العمائم، ويأكلون بالأيدي، ويجلسون على الوسائد، ويقولون له نحن أجدادك! وذلك أدب قوم يلبسون البرانيط، ويأكلون بالشوْك، ويجلسون على الكراسي، ويقولون له نحن أسيادك.
وأديبنا يعمى عن مناظر بلده، ومحاسن طبيعته، ومفاخر قومه، ومآثر شرقه، ثم يفتح عينيه بكلتا يديه ليستشف من خلال السطور السودّ قناطر (السين) وشعاف (الألب) وخمائل (التيرول) لأن هذه ذكرها جوته ولامرتين وبيرن، وتلك إنما ذكرها البحتري والرضي