هذه أولى خمس محاضرات ألقاها لثلاثة شهور خلت، الكاتب الاجتماعي الكبير (أندريه موروا) عضو المجمع العلمي الفرنسي، جلا فيها على القراء فن العمل، والتفكير والحب، والزعامة؛ وبين في إحدى المحاضرات كيف نسقى سعداء ناعمي البال، إذا خلا الشباب واشتعل الرأس شيبا.
وقد نقلنا هذه المحاضرات إلى العربية لما لافتة من إعجاب، ولما فيها من آراء ذات شأن.
(المنجد)
هل علينا من حرج إن ذكرنا ما يقوله المعجم عن (العمل) فناقشناه وبينا النقص الذي فيه؟. . . فإن حديثنا هذا ربما ملك علينا أمرنا فدفعنا إلى الإفاضة فيه. يقول المعجم:(العمل هو إنفاق جهد متعب لإتمام شيء). ولكن هذا التعريف ناقص غير واف، لم يكون الجهد متعباً؟. . . لندع المعجم إلى أربابه ولنضرب الأمثال: هذا صانع جرار يعمد إلى قطعة من صلصال فيسويها شكلاً يريده ويرضاه. وهذا حارث يشق الأرض ويذللها للزرع، فلا تلبث أن تهتز وتنبت الخيرات. وهذا كاتب قصصي يخلق كائنات يخلع عليها من عبقريته وخياله جمالاً، ثم ينضج فيها من روحه سحراً. . . مستمداً عناصرها من البيئة التي تحيط به فتملأ سمعه وبصره، فيأتي بأثر رائع لا يفنيه الحدثان.
فالعمل - كما اعتقد - هو تسليط قليل من التبديل والتحوير على العناصر التي نأخذها عن الطبيعة؛ مما يجعلها أكثر فائدة وأشد جمالاً. وهو كذلك دراسة القوانين التي يخضع لها ذلك التبديل، وتبيان حدوده ومداه.
ولقد عرف (باكون) العمل عند ما عرف الفن، فهو يقول: الفن هو الطبيعة مضافة إلى الرجل؛ أي هو ما نأخذه من الطبيعة، وما نضيف إليه من أشياء، يظهر فيها أثر تفكيرنا وعبقريتنا. والحق أن كل عمل يجب أن يكون فنا.