ولد فرنسوا شاتوبريان في سان مالو وهو قدوة الكتّاب في القرن التاسع عشر، اقتبس عن الفصحاء المدرسيين كبسكال وبوسويه وفولتير، وتأثر ببلغاء الإبتداعيين كروسو وبرناردان، ولكنه لم يقلد منهم أحدا. هو مصور ماهر لا يصف إلا ما يشاهده بأم العين فيثير في مخيلة قارئه أروع المشاهد، ويبالغ في الإتقان والمحاكاة حتى يجعل الغائب كالشاهد، ففتح بذلك مغالق الطبيعة وكشف عن سواحر محاسنها.
وهو ذلك الشاعر الذي يصور ببراعة حركات الفؤاد ووثباته، والخطيب البليغ الذي يرتفع حجاب السمع لرائع تشبيهاته واستعاراته، ولم يظهر في القرن التاسع عشر أسلوب أفخم ولا أسلس ولا أكثر تنوعا من أسلوبه، فكان لتبسطه في فنون اليراع إماما للشاعر المبدع، والكاتب الممتع، والمؤرخ الصادق، والناقد المنصف، والخطيب المثير، والقصصي القدير؛ وحسبك دليلاً على مبلغ تأثيره في كتاب عصره أن فكتور هوجو كتب على دفتره المدرسي وهو في الخامسة عشرة ما نصه:(أريد أن أكون شاتوبريان أو لا أكون شيئا!)
ومن روائعه: الشهداء وروح النصرانية، ورحلة من باريس إلى بيت المقدس وهي التي عربنا منها للرسالة وصفه لعرب فلسطين وحوادث آخر بني سراج التي عربها الأمير شكيب الأديب المنتج العجيب، ولخصها صاحب النظرات واتالا التي نقلها أنطون فرح إلى العربية.
عرب فلسطين
العرب حيثما أبصرتهم في فلسطين ومصر أو في بلاد البربر، قد ظهروا لي بقامة أقرب إلى الطول منها إلى القصر، مشيتهم البخترية برشاقة طبعوا عليها وخلقتهم في أحسن تقويم: وجوه مسنونة وجباه مقوسة عريضة وأنوف يزينها القنا والشمم، وعيون نجل لوزية الشكل ذات نظر نديُّ عذب، ثم لاشيء يشعرك منهم بوحشة، وان لبثت أفواههم مطبقة