أبداً: ذلك انهم إذا ما اخذوا في التحدث إليك أسمعوك لغة تطربك نغمتها ويفعمك شذاها، ولمحت ثغوراً يروعك البياض الناصع من ثناياها والشنب مما يذكرك بأسنان العسابر وبنات آوى
والعربي يرتدي على الأغلب جلباباً يشده الحزام على الخصر وتراه ينزع يده حينا من كم جلبابه هذا فيمثل لك الردية القديمة وتبصره حينا آخر يلف بعباءة من صوف فتكون له رداءً أو كساءً أو وقاءً من الحر بحسب التفافه بها أو طرحها على منكبيه أو رأسه وهو يمشي حافياً أو منتعلاً ويتسلح بالبندقية والخنجر والرمح الطويل.
إن القبائل ترحل قوافل، والإبل تمشي قطاراً، والبعير الأول منه يجره حبل من مسد حمار هو قائد القافلة: فهو لذلك قد أُكرم بإعفائه من الأثقال وبما حبوه من أنواع الرعاية والاختصاص والعشائر الموسرة تزين الأباعر بالمخمل المهدب والريش والبنود.
أما الجواد فإنه يكرم على قدر استيفائه لأقسام العتق والكرم ولكنهم مع ذلك لا يتسامحون في سياسته أبداً فلا يحبسون الخيل في الظل بل يعرضونها لِلَفْحْ الهواجر مربوطة بالأوتاد من قوائمها الأربع ربطاً تجمد له في مقرها، وهي أبداً مسرجة وكثيراً ما تقضي نهارها على ورد واحد، ولا تعلف في اليوم كله إلاّ حفنات من الشعير: ومثل هذا التقتير في العلف مع انه لا يَهْزِلُها كفيل بتعويدها السرعة والصبر والقناعة.
راقني كثيراً جواد عربي كان مقيداً في الرمضاء. وشعر عرفه منتشر، ورأسه منحنِ بين يديه التماساً لبعض الظل، وهو ينقد بعين وحشية صاحبه ناظراً إليه عن عرض شزراً فإذا ما أنت فككت قيده وقذفت بنفسك على ظهره أزبد وحمحم ثم نهب الأرض نهباً.
إن كل ما يروى لنا عن ولع العرب وغرامهم بالقصص هو حق لا مرية فيه وأنا مورد لك على ذلك مثالاً:
سمرنا ذات ليلة على الرمل من ساحل البحر الميت، وبات التلاحمة حول النار المتأججة وبنادقهم ملقاة إلى جانبهم على الأرض والخيل، وهي مثلنا على شكل دائرة موثقة بأوتادها، وبعد أن احتسينا القهوة وتجاذبنا أهداب الأحاديث سكت هؤلاء العرب ما خلا شيخهم الذي كنت المح من خلال سنا النار حركات وجهه الناطقة ولحيته السوداء وأسنانه البيض والأشكال المختلفة التي كانت تتشكل بها ثيابه وهو ممعن في سرد قصته. وكان أصحابه