للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أدب التاريخ]

شاعر ومنجم. . .

للأستاذ محمود عزت عرفة

العهد عهد الخليفة المستعين أبي العباس أحمد بن محمد بن المعتصم، ذلك المتولي في الخامس من ربيع الآخر عام ٢٤٨هـ، إثر وفاة الخليفة المنتصر ولي عهد أبيه المتوكل وقاتله. والشاعر هو الوليد بن عبيد الله البحتري المكنى أبا عبادة؛ أما المنجم فهو جعفر بن محمد البلخي، المكنى أبا معشر

ولم يكن أبعد من هذين الرجلين على عهدهما صيتاً، ولا أثبت منهما في فنيهما مقاما؛ ومع ذلك فقد لقيا أيام المستعين من المجافاة والإعراض وقلة المبالاة ما ضاق معه عيشهما، وانسدت به مسالك الحياة الهنيئة دونهما

فقد كان الأول شاعر المتوكل الأثير. . . شهد بعينيه مصرعه الرهيب على يد ابنه وولي عهده، وسمع بأذنيه - بعد حين - قصة نقض البيعة الموثقة التي عقدها المتوكل لولده المعتز من بعد أخيه؛ فكان حزن الشاعر على الخليفة المصروع لا يوازيه إلا عطفه على الأمير المخلوع

ولما عجلت بالمنتصر ميتته المريبة فلقي بها أول ما يلقاه كل عاق ناكث للعهود، بادر نصراؤه من قواد الأتراك إلى تنصيب المستعين بالله على عرش الخلافة؛ إمعاناً منهم في إقصاء المعتز الذي طال بتدبيرهم حرمانه، وتنزت بسبب ذلك في صدره السخائم والأحقاد عليهم

وزادوا على هذا أن ألقوا بالمعتز في غيابة السجن، مع أخيه المؤيد ثالث أولاد المتوكل وأولياء عهوده؛ فلم يكن الشاعر كالبحتري أن يظهر في مثل هذه الفترة، أو أن يؤمل عند المستعين وشيعته جاهاً. . .

ذلك موجز حديث أبي عبادة؛ أما صديقه أبو معشر فأيسر ما نقول فيه أن المستعين كان يعتد له من الإحسان ذنباً، وينحي عليه ببالغ العقوبة أشد ما يكون ترقباً منه للإحسان والمثوبة؛ حتى لقالوا إنه ضربه مرة أسواطاً على ما صح من حدسه في أمر أخبر بوقوعه قبل حينه، فكان أبو معشر يعجب الناس من ذلك ويقول: أصبت فعوقبت!

<<  <  ج:
ص:  >  >>