للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحقائق العليا في الحياة]

للأستاذ عبد المنعم خلاف

الإيمان. الحق. الجمال. الخير. القوة. الحب

(ألفاظ إذا نطقت بها تتحرك لها في نفسي دنيا كاملة!)

تلك أعمدة الكون الخفية، تسكن قممها عقول المتأملين، وتسجد على أقدامها قلوبهم. قد أسبغ خالق الكون وواهب الحياة على العقول والأرواح ظلالاً من تكريمه واحترامه حين أوجد لها هذه الحقائق، وأوحى لها أن تتعرف إليها كما أوحى إلى الأجساد أن تتعرف إلى التراب والماء والغذاء والهواء. . .

وليت شعري! هل تسعفني خواطري الدائمة الدوران حول هذه الحقائق فتحضرني جميعها وأنا أكتب عنها؟

إني أبدأ الكتابة الآن وليس في نفسي إلا صور مبهمة منها. أما تركيز أفكارها وتجميعها وتجنيدها وعرضها، فأمر أسأل (الحق الأول الأكبر!) أن يتولى هو بفنه الخالق (إخراجه) من قلمي العاجز كما يخرج النخلة السحوق من النواة الضئيلة!

وإن تعجبوا فعجب لجماد الأقلام وطين الألسنة حين يتولاهما الجشع فيحاولان أن يمسكا السيالات التي لا تمسك!

وليت شعري! متى يأتي الإنسان الذي يستطيع أن يقول كل ما في رأسه بألفاظ ترضيه وتترجم عن التيارات العميقة المتلاطمة في قرار قلبه؟

إنه لاشك الإنسان الأخير الذي يختتم به وجود الإنسانية هنا على الأرض. . . ولعلها ما تلاحقت أنسالها في الأرض إلا لتقول (الأسماء كلها) التي علمها الخالق أباها آدم. . .

فالإنسان الأخير هو آدم ثان جاء ليختم الدورة التي بدأها آدم الأول. . . هو الإنسان الذي صبت فيه كل جداول البيان وسكنت فيه كل أطياف المعاني، فوعى كل كلمة نفسية ولفظية اختلج بها قلب أو فكر أو لسان. . .

هو الإنسان الذي يأتي بعد أن لم يبق شيء في عالم الآفاق وعالم الأنفس إلا وجد له لفظاً إنسانياً يصوره ويحدده. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>