هو ابن الإنسانية الواحدة الهائلة التي تنقلت في الدهور والأحقاب فوقع عليها كل الضوء وكل الظلام!!
١ - الإيمان:
أنا الآن في (الرستمية) على أديم الأرض مباشرة، وتحت السماء مباشرة. . . حافي القدمين مجرودهما، جاث على الركبتين معقورهما، شاخص العينين محرورهما، مرهف السمعين مشدودهما، صامت الشفتين معقودهما. . . في الظلام الصارم! والريح تصفر في كل ما يحيط بي من مبان ومنافذ وأشجار. . . وبنات آوى تعوي وتعترك على قرب مني. . . وكلاب الرستمية وكلاب تلك القرية الماثلة على رأس تعريجة من تعاريج نهر (ديالى) تتبادلان نباحاً دائماً متشابهاً هو عندي نغم يهيئ في نفسي جواً معنوياً لليالي القرى والخيام. . والنوم ذائع السلطان منشور الأعلام على مباني (دار المعلمين الريفية)، وعلى أجساد ساكنيها من الطلاب والمعلمين. . وكل ما في جسمي ونفسي يقظ: كل خلية وكل شعرة، وكل قوى جاذبة أو دافعة، وكل خاطرة جديدة عابرة أو مخزونة غابرة، مستجمع أرواح آبائي وأرواح أنسالي. . في خيالي، وجميع حياتي الذاهبة في الأزل والآنية في الأبد!
أنا في ساعة خبال أو عقل، وفي جد أو مجانة؟ لا أدري. لا أدري إلا أن الرحى الدموية الحمراء التي في صدري تدور دوراناً لا عهد لي به من قبل. . .
أنا أيتها الأكوان الناطقة والصامتة الموغلة في الصمت، أحاول أن أتكلم عنك بين يدي أبي وأبيك! بالكلمة التي أعياني النطق بها كما أعيا كل كائن يحسها حقيقة شائعة في نفسه ولكن لا يستطيع البيان. . .
أدير فكري وكل حواسي في الدنيا لأجد ابتداء القول، فلا أظفر إلا بالاستغلاق؛ وإن كنت أظفر بامتلاء أوعية أخرى لا سلطان للبيان على نقل ما فيها. .
كل فراغ حياتي مملوء بخواطر مستبدة بي، ألاقي بها الحركة والركود، والنور والظلمة، والبحر والصحراء، والنملة والجمل، والعلم والجهل، والسلامة والسقم، وكل شيء، وكل شيء، وكل شيء. . .
فاعذروني أيها الفارغون!
واطلبوا التوفيق لقلمي المسكين الذي يتصدى للنار ليكتب فيها عنها. . .