للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويتصدى للريح العصوف ليحملها قبل أن تحمله وتذروه مع الهشيم. . .

الإيمان؟!

يا لله من ابتذال الألفاظ الكريمة ونزولها من لمعات الفكر العالي وسبحات الروح، إلى رؤوس الأغبياء والجامدين والمحدودين!

ويا لله من جناية التجسيم والتشبيه على المعاني التي حياتها في أن تكون مطلقة متفردة منساحة في محيطات ربها انسياح الكهرباء والجاذبية والإشعاع!

ويا لله لغذاء الملائكة إذا ولغت فيه الكلاب والخنازير والقردة!

وأواه من الذين ينظرون إلى الألفاظ الحية نظرهم إلى الحجارة والصخور!

أخذوا هذه الكلمة التي لا يمكن أن يكون قد نطق بها ناطقها الأول إلا بوحي، وصاروا يلوكونها كما يلوك الملقنون بعض الألفاظ يلقونها على أجساد الموتى. . .

أخذوها من معادنها ومناجمها العميقة في قلوب الأنبياء وخواطر الأصفياء وألقوها في أفواه التماسيح والقردة، فصارت تعض وتقهقه بها ممسوخة في غير موضعها، كموسيقى الجنازات.

أخذوها كما يأخذون الوردة المنضورة الممطورة من غصنها، فلا يزالون يبتذلون شذاها على أنوفهم المزكومة، وحريرها بين أصابعهم القاسية، حتى يمزقوها فلا يبقى منها في أيديهم غير جثة مسحوقة يلقونها في التراب. . .

أخذوها من نصابها في قلوب الأنبياء وخواطر الأصفياء. ووضعوها على قلوبهم الضيقة كما توضع الشموع على القبور. . .

صيروها ملكاً لكل بليد أبله، تموت وتنطفئ على شفتيه الكلمات المنيرة كما تموت العروس في جلوتها. . .

ثم وضعوها في قواميسهم وكتبهم بجانب هذه الجمادات والجيف: تراب. رصاص. ذهب. حديد. معدة. .!

فيا موحي المعاني! حررني من ألفاظهم الميتة الجامدة التافهة، واحلل عقدة من لساني حتى أبين معناك في قلبي. وما أهول معناك فيه!

الطبيعة كلها أوتار مرنة، وكلمات مبينة، وأصابع مشيرة، يسمعها ويقرؤها ويراها ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>