للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حكمة الأقاصيص]

للأستاذ عباس محمود العقاد

قرأت فصولاً كثيرة في التفرقة بين الفلسفات الاجتماعية والسياسية فلا أذكر أنني قرأت في سطور معدودة تفرقة أظرف وأفكه من التفرقة التي تمثلها لنا قصة البقرتين الأمريكية التي نلخصها فيما يلي:

فالاشتراكية هي أن تكون لك بقرتان فتعطي جارك إحداهما. والشيوعية أن تكون لك بقرتان فتأخذهما منك الحكومة كلتيهما وتعطيك من اللبن ما تحسب أنك في حاجة إليه

والفاشية أن تكون لك بقرتان فتبقى البقرتين عندك وترسل اللبن إلى الحكومة.

والنازية أن تكون لك بقرتان فتأتي الحكومة فتأخذك أنت وتأخذ معك البقرتين.

والإصلاح الأمريكي الجديد على طريقة روزفلت أن تكون لك بقرتان فتصطاد الحكومة إحداهما وتحلب الثانية وتريق لبنها على التراب!

والديمقراطية أن تكون لك بقرتان ملكا فتؤدي ثمنها مرة أخرى على التقسيط ضرائب وإتاوات

و (الرأسمالية) أن تكون لك بقرتان فتبيع إحداهما وتشتري بثمنها ثوراً وتنتج منهما عجولاً وبقيرات

وفي هذه القصة من المبالغة ما في معظم الفكاهات والصور الهزلية، ولكن أين هي السطور القليلة التي تفرق بين الفلسفات السبع تفرقة أقرب إلى الفهم وحسن المقابلة من هذه التفرقة الفكاهية؟ وأين هو الجد الذي يسلم من المبالغة كل السلامة على إرادة من صاحبه أو على غير إرادة؟

ويبدو لنا أن المباحث الحديثة أحوج ما تكون إلى كتاب يعالجها على أسلوب القصة الأمريكية، وإننا نحن الشرقيين أولى بإخراج هذا الكتاب لأننا حذقنا فن القصة الحكيمة من عصور بعيدة، ولأننا قليلو الصبر على دراسة المطولات في هذه الموضوعات

والظاهر أن بلاد كليلة ودمنة - ونعني بها الهند - تأبى أن يفوتها نصيبها من هذا الواجب الحديث، وأن الأستاذ الفاضل عبده الزيات قد اهتدى إلى كتاب من قبيل الكتاب الذي نقترحه على العالم الشرقي، حين ترجم إلى العربية (حكايات من الهند) يجتمع لها ما نبغيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>