(قرأت في الرسالة ما نقله الأستاذ الزيات من رأيك في مزايا الأخلاق والفضائل فهالني ما قرأت، وعزمت على أن أبادر بالكتابة إليك على ضيق الوقت وفتور الصيام. وكيف لا يرتاع من يسمع أن رجلاً من ذوي الأخلاق خاب ظنه فيها فثار عليها ويئس منها؟ فاقرأ يا أخي كلمتي ثم أبِن لي رأيك من بعد:
دخل أعرابي مسجد المدينة ورسول الله وأصحابه هناك فصلى ثم دعا فقال: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحدا) فضحك صلوات الله عليه وقال: (لقد حجّرت واسعاً يا أعرابيّ).
وكذلك أنت يا أخي قد حجّرت واسعاً حين خيّل إليك أن دائرة عملك التي (وسَّعتها بمقدار ما استلزمه هذا العمل من ملابسة الشعب ومراجعة الحكومة) هي الأمة كلها، وأن الأمة هي العالم كله، وأن العالم الحاضر هو الزمان كله. وإن شئت أن تقول إني لم أحجّر واسعاً ولكني وسّعت محجّرا فلك رأيك، والنتيجة في الحالين واحدة
أود قبل أن أناقشك في رأيك أن أعدّك موافقي، كما وافق صديقنا الزيات، على أن الخلق الفاضل سبيل إلى سعادة صاحبه وطمأنينته ما في هذا ريب، وأن الرجل الحرّ الأبيّ الفاضل يعيش في سعة من نفسه، وعزة من خلقه، ونعيم من وجدانه، لا يدركها أصحاب الجاه العظيم والثراء العريض ممن وجدوا كل شيء وفقدوا أنفسهم، وأن الحرّ الكريم يرى نفسه في عزتها وحريتها ورضاها فوق هذا العالم الذي تباع فيه النفوس رخيصة وتبذل فيه القلوب ذليلة، ويعدّ نفسه أسداً قوياً مهيباً قد ربض حجرة من معترك الذئاب ومُهتَرش الكلاب
إنما خلافنا في النجاح في المعايش ونيل الجاه والثروة؛ أسبيله الخلق القويم أم العمل الذميم؟ وإني أعجّل لك الجواب في قضية نتفق عليها لنفرغ لما بعدها فأقول: حق أن الرجل التقي الحرّ الأبيّ لا يرى إلى الجاه والمال إلا طريقاً واحدة هي الطريق التي يسنّها