للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المبارزة]

للكاتب الروسي اسكندر بوشكين

لا يعبأ الذين يعيشون في العواصم بالحوادث الصغيرة لانشغالهم بما

هو أهم وأخطر. ولا يتصورون ما يكون لهذه الحوادث على ضآلتها

من الخطر والأثر في المدن الصغيرة والقرى البعيدة. . مثال ذلك

وصول البريد، ففي يومي الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع تكتظ مكاتب

المعسكر بالناس. هذا ينتظر نقوداً وذاك رسالة وهؤلاء يسألون عن

الصحف. كل يتلقف ما له في شغف واهتمام. وأذكر أن رسائل سيلفيو

كانت تعنون إلى معسكرنا، وانه كان يزورنا وقت وصول البريد

لتسلمها. وفي أحد هذه الأيام تسلم خطابا، فلما لمح اسم الجهة الصادر

منها حتى لمعت عيناه وأسرع بفضه وقراءته في تأثر وحماس.

وبالطبع لم يدرك أحد سواي هذه التغيرات التي بدت في ملامح وجهه

وحركات يديه لانشغال الجميع بقراءة رسائلهم.

وبعد لحظات التفت الرجل إلينا قائلاً (يضطرني العمل إلى مغادرة القرية هذا المساء، وأنا لذلك أدعوكم لتناول الغداء معي اليوم للمرة الأخيرة، وكلي أمل ألا أحرم من لقائكم جميعا) ثم أشار إليّ بالذات وقال (وكم أتمنى أن أراك بينهم!) ثم أسرع بمغادرة المكان كما أسرع كل منا إلى جناحه الخاص بعد أن اتفقنا على إجابة الدعوة.

ووصلت إلى منزل سيليفيو في الساعة التي عينها فوجدت ضباط الفرقة جميعا هناك، ورأيت كل أثاث المنزل قد جمع وربط استعداداً للرحيل، وأبصرت الجدران عارية من أغلفة الرصاص. . جلسنا إلى المائدة وأكلنا هنيئا وشربنا حتى ثملنا، وكنا نكثر من الخمر التي ما أن نصبها في الكؤوس حتى تغرينا بزبدها ورائحتها فنتجرعها، ولما انتهينا (وكنا قد أطلنا الجلوس) لبسنا قبعاتنا وهممنا بالانصراف راجين لمضيفنا العزيز التوفيق في رحلته، فأجاب شاكراً وأخذ يرد تحية ضيوفه واحداً واحداً حتى جاء دوري فأسر إليّ (إنني

<<  <  ج:
ص:  >  >>