في نفسي إن كتب علينا البقاء في هذه البيداء هذه الليلة فسنجد في إحدى المغاور ملجأ وحماية.
بعد أن سرنا في الوادي نحو كيلومتر فطنت إلى أننا متجهان نحو منبع الوادي من اتجاه الحشائش في أنحائها. فعدنا أدراجنا مؤملا إن نحن واصلنا السير أن نصل إلى مدخل الوادي في وقت قريب، وعندها ربما نهتدي إلى طريق يوصلنا إلى مكان يكون لي به معرفة.
في هذا الوقت العصيب ظهرت بارقة أمل على غير انتظار بددت كثيراً من غمنا وكآبتنا وأعادت إلينا شيئا من الطمأنينة والثقة، كانت الساعة السادسة والنصف مساء عندما أدركت أن لي بالوادي الذي نسير فيه معرفة سابقة من بعض الشواهد والعلامات. وبعد قليل ترجح عندي من تعاريج الوادي ونظامها إنا نسير في (وادي دجلة) ثم لم نلبث طويلا حتى ثبت لي من علامة مميزة في الحائط الجنوبي للوادي، وهي فتحة مغارة لها شكل خاص، من أن الوادي هو وادي دجلة حقيقة، فكدت أطير من الفرح وأخذتني نشوة سرور أعجز عن وصفها ولا يشعر بمثلها الا من كان في مثل موقفنا وحالتنا عندما تنتشله العناية الإلهية من ضيق مهلك إلى سلامة مؤكدة، ثم أخذت أفكر فيما عسى أن يكون قد جرى لنا حتى تحولنا عن وجهتنا الأصلية إلى هذا الوادي.
ووادي دجلة واد طويل يبلغ طوله من مدخله حتى نهايته نحو أثنى عشر كيلومتراً، كثير التعاريج ينتهي بشلال غاية في الجلال. يقصده كثيرون من محبي الرحلات الجبلية للتفرج على مشاهده الفريدة ومناظره البديعة ويقع مدخل الوادي في الشرق من (طره) وعلى بعد ساعة ونصف منها، وتمتد بينهما سلسلة من التلال تخفي مدخل الوادي وتجعل الوصول إليه متعسرا. وعقب الأمطار الغزيرة يترع الوادي بالماء ويخرج منه أحياناً سيل جارف يهدد المنطقة حول طره بالإتلاف والغرق.
وبعد أن بشرت صاحبي بالخلاص من الورطة، وبعد أن انتعش وعادت إليه بشاشته أخذت ونحن نسير في الوادي أقص عليه بعض ما صادفته من المواقف الحرجة في رحلاتي السابقة وكيف كنت أخرج منها في كل مرة سالما بتوفيق الله. وبفضل الاطمئنان ورباطة الجأش وقوة ذاكرتي التي تحفظ كثيراً من العلامات المميزة للجبال والوديان التي أزورها.