الغربيون اليوم معنيون بالبحث في مسائل الشرق من جوانبه كافة. . من جانب السياسة، لأن نهضة شعوبه تضطرهم إلى حسبان حسابه والعدول عن خطة استغلاله والسيطرة عليه؛ ومن جانب الدين، لأنهم حائرون في شئونهم الروحية يلتمسون الهداية من مهبط الأديان، أو يقابلون بين سلطان الدين عليه وسلطان الآراء الحديثة عليهم؛ ومن جانب التجارة، لأن العلاقات التجارية بين الدول الكبرى لا تستغني عن أسواق الشرق ومنابع الثروة فيه؛ ومن جانب السياحة والرحلة واستكشاف مواقع التاريخ القديم، وكل جانب تتحول إليه عناية الباحثين في مسألة عامة
ومن الباحثين الصحفيين المشغوفين بالمسائل الروحية (روم لاندو) صاحب كتاب (الله محجة مغامراتي)، وصاحب هذا الكتاب الذي عنوانه (البحث عن غد)، وموضوعه استطلاع أحوال الشرق القريب من جانب الدين والنهضة النفسية إن صح أن نطلق عليها هذا الاسم تمييزاً لها من النهضة العلمية البحت والنهضة الصناعية الاجتماعية التي تقابل نظيرتها في الأقطار الغربية
حضر إلى مصر وتحدث فيها إلى رجالات الفكر والسياسة ولخص هذه الأحاديث في كتابه، وسنعرض لها جميعاً، ونبدأ بنقل حديثه مع رئيسي الجامعتين الأزهرية والمصرية، حيث قال بعد تمهيد طويل للحديث مع صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى المراغي وقد زاره في بيته بحلوان:
(سألني: هل تبحث عن المسائل الدينية أو مسائل ما وراء الطبيعة؟ ولما كان الفارق بين هذه وتلك ليس بالفارق العظيم في نظري أجبته بشيء من الروغان: كلاهما؛ إلا أنني أشد عناية بما وراء الطبيعة
فقال الشيخ العلامة: قليلة المحصول، قليلة المحصول جداً
وكانت لهذه الكلمة دلالتها، لأنها تشير إلى طبيعة الإسلام العملية كما تمثلت في أكبر رعاته بين المصريين
ومع علمي بعض العلم بأساليب المناقشة الشرقية لاحظت على الأستاذ المراغي أنه يتنحى