[على النيل]
بقلم العوضي الوكيل
وقفت على النيل الوديع عشية ... أطالع في أمواجه ما أُطالِعُ
وأسمع من أمواجه لحن فتنةٍ ... ومعنى يُغشّيني، وذكرى تتابع
كأني إليها من قديم مُوَجَّهٌ ... وكلّيَ إصغاءٌ، وكلي مسامع
كأني قبل الآن أسمعت مرة ... صداها، له دفق وفيه تدافُع
وما ذاك إلا رمز ما أنا حالم ... به قبل أن تهتزّ مني الأضالع
وناجيت ماَء النيل في صمت راهب ... بأسطورة الحب الذي لا يخادع
أيا نيل حدثْني فإني عالم ... ولكن لساني شامسٌ أو ممانع
علمت وكم معنى يدور بخاطري ... أضلته في نفسي فيافٍ قواطع
لكم مرت الأجيال عجلى مُخِبة ... عليك وإذ تبدو كأنك هاجع
وأنت الطهور الفرد في هذه الدنى ... وفي قُدسك الأسمى معان تطالع
عليك هدوء الهازئين، وربما ... يلوح لنفس في الهدوء تواضع
أتلحظني هيمان في العيش سادراً ... قد انعدمت مني إليه الدوافع
وصرت أعيش اليوم للأهل وحدهم ... فما أنا في دنياي - ما عشت - طامع
أتلحظ دمعي وهو ينهلُّ مسبلا ... وأبْينُ شيءٍ فيَّ هذى المدامع
أسير فلا أدري لأية غاية ... أسير وتدعوني إليَّ المواجع
خلقنا لندري العيش وهو يضلنا ... كمن بت تثنيه وبات يُقاطع
أيا نيلُ قُصَّا السرَّ إنك عالمٌ ... به من شباب الكون والكون ياِفع
وحدِّثْ عن المجهولِ واكشف دفينَه ... فإنك نور في الأحاسيس ساطعُ
وبُلَّ بنفسي غُلّةً بعد غُلّةٍ ... ولا تنس أني عابد لك خاشع
تمل فؤادي في غلاف من الشجى ... وفيه جراحات، وفيه مصادع
أيا شاهد الأدهار مرَّت بناسها ... كمسبحة مرت عليها الأصابع
فأُفْنِىَ منها الناس؛ والزمن الذي ... حواهم تبقى لم تَضِرْهُ الفواجع
كمسبحة يُستلُّ معدود حبِّها ... ويبقى بها الخيط الذي هو جامع