اتجه المؤيد إلى مصر حيث إمامه الفاطمي، ومقر الدعوة التي كان يدين بها، وفي طريقه كان يحدوه أمل باسم مشرق بما سيلقاه في مصر من تقديم وتكريم لما قام به من جهود في سبيل الدعوة وعلو كعبه في علوم المذهب، فقد كان إليه المرجع في عويص مسائله، حتى أن داعي الدعاة الأكبر كان يرسل إليه يسأله ويستوضحه في بعض المشاكل المذهبية، لهذا كله بنى لنفسه في الخيال قصوراً شامخة، وعلا به خياله إلى الوصول أعلى المراتب، ولكن هذا الأمل كانت تغشاه أحياناً سحابة مظلمة تطغى على فكره فتهدم ما بناه خياله وتهبط به إلى الحضيض، فبالرغم من اعتناق المؤيد للمذهب الفاطمي، وبالرغم من شدة احترامه لإمامه حتى درجة التقديس كان المؤيد يعلم أن السلطة الحقيقية في مصر ليست بيد الإمام إنما كانت بيد أم الإمام، أو بمعنى آخر كانت بيد التستري وكيلها، ولم يكن التستري يأبه بشئون الدعوة الفاطمية بقدر ما عني بتركيز سلطانه وسطوته، فخشي المؤيد أن لا يجد في مصر ما كان يطمح إليه، وكان هذا التفكير يثنيه عن المضي في رحلته إلى مصر ولكنه نظر حوله فلم يجد مكاناً يأوي إليه آمناً على حياته سوى مصر فمضى إليها حتى دخلها سنة ٤٣٧هـ. وذهب إلى دار الخلافة حيث قابل الوزير الفلاحي الذي رحب بمقدمه وأكرمه وأمر بأن تهز له دار وصفها المؤيد بقوله:(فأخذوني إلى دويرة كانت فرشت لي هي من الكرامة في الدرجة الوسطى من الحال، لا بالإكثار ولا من الإقلال) وسمع الناس بمقدمه، فتوافدوا على داره للترحيب به ونصحوه بالاتصال بالتستري. فذهب المؤيد إليه، وبالغ التستري في إكرامه ووهبه الأموال والخلع، وأخذ يعده ويمنيه بل أراد أن يختص بالمؤيد دون غيره من وجوه المصريين، ولكن هذه الوعود كانت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء فلم يف التستري بما وعد بل كاد للمؤيد ومنعه من مقابلة إمامه المستنصر، وزاد الطين بلة أن بعض المغرضين سعوا بالفساد بين المؤيد والتستري،