لمعت كناصية الحصان الأشقر ... نار بمعتلج الكتب الأحمر
وفتحت إنطاكية الروم التي ... نشزت معاقلها على الاسكندر
وطئت مناكبها جيادك فانثنت ... تلقى أجنتها بنات الأصفر
هذا شعر للأبيوردي خاطب به ملكشاه بن ألب أرسلان حينما فتحت الدولة السلجوقية إنطاكية، ولست أعرف ركناً من أركان الدنيا برز في التاريخ بروز هذه البقعة من الأرض، فقد لفتت أنظار الإنسان منذ بدأ يفكر وينظم حياته، فما تأسس ملك أو سيادة أو ظهرت قوة فنية أو دعوة دينية إلا وجعلت من أول أهدافها امتلاك هذه البقعة التي شهدت مصارع الدول، وحمل صعيدها إزراء الحروب وما يتخللها من إزهاق الأرواح، ذلك تاريخها في القرون الغابرة وهذا عهدنا بها اليوم في تاريخنا الحديث. لقد شغلت رجال السياسة بعد الحرب الماضية واهتمت بمصيرها هيئة عصبة الأمم، ثم كان من نصيبها أن ضمت إلى أراضي الجمهورية التركية وبقيت معها طول الحرب العالمية الثانية، وما انتهت هذه أو قاربت نهايتها واستقلت سوريا، حتى قامت تطالب بها، ولا يعلم غير علام الغيوب ما تخبئه لها الأقدار والأيام القادمة.
وإذا ورد ذكر هذه البقعة برز اسم مدينة إنطاكية لأنها رأت من السعد والعظمة في زمن ملكها أنطيوكس الكبير (٢٢٣ - ١٨٧ ق. م) ما جعلها سيدة المدن. فكان أن أصبحت حاضرة سوريا وفاقت غيرها في الثورة والعلوم والمتاجر، ولما دخلت تحت سلطان روما حصل أهلها على حقوق المواطنين في الدولة الرومانية، وإذا بها قد أصبحت إحدى عواصم ثلاث كبرى: روما والقسطنطينية وإنطاكية.
ولقد حاول بعض مفكري الغرب من الفرنسيين أن يجلعوا من ملك أنطيوكس تتمة لملك الإسكندر ومن أثر عمله تكملة لسلطان الغرب على الشرق، ودليلاً على تفوق العقل اليوناني على العقل السامي، والصورة التي أعطاها العهد القديم والمؤرخ يوسيفوس للعاهل اليوناني تنبئ بأنه كان ملكاً مستبداً جباراً، فقد ورد عنه في كتاب المؤرخ اليهودي ما يأتي: (إنه دخل مصر بجيش كثيف وعجلات وفيلة وأسطول عظيم فاستحوذ عليها ثم قوى أمره