للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعظم شأنه حتى استولى على كثير من الأمم وأطاعته ملوك فارس وغيرهم من الملوك فداخله العجب والكبرياء وطغى وتجبر وسبب الكثير من الآلام لأهل المشرق).

فهذه القوة التي طغت على الشرق يقول عنها الكاتب الفرنسي إنها بقية من عبقرية الإسكندر، وإن بقاءها كان من ضرورات بقاء الاصلح، لأنها تحمل قبساً من روح الهيلينية إلى الشرق، وإنها قوة دافعة منظمة منشئة لأنها أدبت الناس وأخذتهم بالسيف وعلمتهم ما لم يعلموا. ولكن روما لم تلمس الحقائق حين ساقت كتائبها وأخذت إنطاكية مركز هذه الحركة ولذلك لما حطمت الممالك والعروش التي أنشأها أتباع الإسكندر، كانت تحارب نفوذ الهيلينة في الشرق وكانت تحطم بأيديها سيطرة الغرب على الأمم الشرقية. فروما حينما تنازعت مع أهل إنطاكية وقضت على عظمتهم مهدت لشعوب الشرق عودة، بدأت بقيام الفرتيين أو البارتيين وهم قوم عرفوا بشدة المراس والصبر على القتال، وظهرت غضب اليهود بحركة المكابيين وتطورت بظهور المسيحية ضد هذا التحكم ثم في مذاهبها المختلفة التي يعبر عنها بالكنائس الشرقية، والتي تعتبر نفثة ضد استحواذ أهل الغرب على المسيحية وهي شرقية في أصولها ومبادئها ومراميها، وما كان هذا ليحدث لولا اختلاف الكلمة وتعارض المصالح بين روما والإغريق المحتلين لأراضي الشرق، فلو تم بينهم التعاون والتفاهم والتآزر والتكاتف وما تمليه وشائج القربى. لما تهيأت الأسباب لقيام الشرق مرة أخرى، ولما تفاعلت العوامل التي مهدت السبيل أمام جيوش المسلمين فاستولت بعد قرون قليلة على إرث روما وبيزنطة وما أنشأه الإسكندر من مجد وملك قبل ذلك. وتلك دعوة لها خطورتها لأن معناها إن الخلاف الذي قام بين فرنسا وبريطانيا على سوريا ولبنان يمثل النزاع الذي نشب بين روما وأهل إنطاكية في المشرق وأن الإمبراطورية البريطانية تلعب اللعب الخطرة التي أخذت بها الإمبراطورية الرومانية منذ عشرين قرناً فهي قد قضت على نفوذ فرنسا وأبعدتها عن سواحل البحر الأبيض المتوسط في شرقية، كما زحزحت روما نفاذ الهيلينية عن هذا الشاطئ، فكانت النتيجة أن خرج الشرق من تحت سيطرة روما واليونانيين وتقلص حكم الغرب عن أمم المشرق، فإياكم أن يحدث لكم ما حدث للقدماء من قبل ويخرج الشرق من يد بريطانيا وفرنسا على السوء.

وإنما سقنا هذا الحديث للتدليل على أثر هذه البقعة من الأرض في عقول القوم من ناحية

<<  <  ج:
ص:  >  >>