ثم راح يعاتبه على قصر كنيته، بعد أن امتدحه في رسالته تلك بإنه قد برأنظمه من الضرورات التي يضطر إليها غيره من الشعراء، فقال بعد بيان ممتع: فمن هجر هذه الضرورات وغيرها مما ذكرته لطال به الكتاب، كالتقديم والتأخير، والفرق بين المضاف والمضاف إليه. . فكيف استجار أن يقصر كنية صديقه. أما السمة (أي: الإسم) فغيرها، وأما الكنية فقصرها. فإنا لله وإنا إليه راجعون. هذا أمر من الله، ليس من ضعف الشاعر ولا وهن القائل، ولكنه من سوء الحظ لمن خواطب، والاتفاق الردئ لمن سُمِّى وذكر.
١١ - ضرورات الشعر
ثم قال وأبدع: ولا يقل سيدي الشيخ - أدام الله عزه - قد قصرت الشعراء، قديمها ومولدها، وأولها السالف وآخرها، وفصيحها الطبيعي ومتكلفها.
فإنه لو كان استعمل ضرورة غير تلك لقبلت حجته. ولكنه ألغى الضرورات بأسرها، ورفض العيوب فلم يستعملها. وإنما تنوثت من ذلك لأني قصير الهمة، قصير اليد، مقصور النظر (أي: لازم له) محبوس فيه. فما كفاني ذلك مع قصر الجسم حتى يضاف إليه قصر الاسم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
١٢ - سبب نسيان
وما زال المعري ينتقل في هذه الرسالة من طرفة، ومن دليل إلى دليل، وهو يدس في أثناء مديحه عتابه، ويمزج شهد الكلام وصابه، حتى كشف لنا عن سر ذهول صاحبه عن اسمه. فقال: وفي كتابة - أدام الله عزه - شكوى رعشة، وما أعرف سبباً يؤدي إلى ذلك إلا أن يكون الافراط في درس العلم، فقد قال الشاعر: