للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صفاء الأفق في الجزيرة العربية]

عقد الصلح بين زعيمي الجزيرة، جلالة عبد العزيز بن السعود، عاهل المملكة السعودية، وسيادة الإمام يحيي حميد الدين ملك اليمن، فصفا أفق الجزيرة العربية، وقرت عيون العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بعد أن جزعت قلوبهم حيناً لتلك الحرب التي كادت تهدد أمن الجزيرة وسلامها، وتفسح مجالاً لسعي الطامعين والمتربصين من خصوم القضية العربية. وعقدت معاهدة الطائف بين الفريقين لتنشأ بين المملكتين العربيتين صداقة دائمة، وتحتم عليهما العمل المشترك في الشؤون الاقتصادية المشتركة، وفي تنظيم العلاقات الخارجية، فلا يعقد أحدهما معاهدة مع دولة أجنبية تؤثر في مصالح الطرف الآخر إلا بإذنه وبعد مشاورته؛ ويجب على الطرفين أن يتعاونا في العمل لحماية المصالح المشتركة والدفاع عن استقلال الجزيرة العربية ضد أي خطر خارجي.

ولقد قلنا منذ البداية أن هذا الخلاف الخطير لا يعني المملكة السعودية أو اليمن فقط، ونما يعني مستقبل الجزيرة العربية باسرها، وناشدنا الزعيمين أن يتذرعا بالرواية والحكمة، وان يغلبا التفاهم والحسنى. ولكن الظروف كانت أقوى من أي إرادة، فوقعت المعارك الأولى، وتطورت الحوادث بسرعة، ووقف العالم العربي والإسلامي مدى حين ذاهلاً يتساءل عما يمكن أن ينتهي الخطب إليه. وكان اشد ما يزعجه أن يرى بعض الدول الأجنبية تتربص وتتحفز لانتهاز الفرص والظروف. ولم يكن يومئذ ثمة مجال لتحديد المسؤوليات أو توجيه اللوم؛ وكل ما كان يشغل العالم الإسلامي ويهمه، هو أن يعقد السلام بأية وسيلة؛ وعود السلام إلى الجزيرة هو السبيل الوحيد للقضاء على تلك المطامع والآمال الأجنبية التي تزدهر إلا في الكدر والخصام، والتي خشينا عواقبها حينما رست بعض السفن الأجنبية في مياه الحديدة يوم أن استولت الجنود السعودية عليها، واحتج مرسلوها بذلك العذر الخالد الذي نسمعه في مثل هذه الظروف دائماً، وهو حماية الرعايا الأجانب؛ وقرأنا في الصحف الاستعمارية غير مرة أن بعض الجهات المعروفة بمطامعها في الشرق تهتم أيما اهتمام بتطور الحوادث في الجزيرة. ولكن تفاقم الحوادث على هذا النحو كان نذيراً بركود العاصفة ثم هدوئها، فضوعفت الجهود في سبيل السلام والتفاهم، وأدرك إمام اليمن خطورة الموقف، وخطر التردد، وعبث الخصومة والمقاومه؛ فأقر الملك الوهابي على مطالبه التي اشترطها منذ البداية لوقف القتال، وهي إخلاء الجبال التي احتلتها القوات اليمنية في عسير

<<  <  ج:
ص:  >  >>