ونجران، وإطلاق الرهائن، وتسليم الأدارسة سادة عسير السابقين؛ وبدأ الإمام بتنفيذ الشروط المطلوبة، واستؤنفت المفاوضات بين الفريقين يحدوها الرجاء تارة واليأس أخرى، حتى شاء ربك أن تحقن الدماء وان يعقد السلام، وان تصان الجزيرة من شر الطامعين والمتربصين.
وعقد معاهدة الطائف حادث عظيم في تأريخ الجزيرة العربية، ومهما قيل عن نصوص المعاهدة وأثرها في مركز اليمن، وكونها ترتب للمملكة السعودية عليها نوعاً من الأشراف، فلا ريب أنها لخير الجزيرة بصفة عامة ويكفي أنها حسمت نزاعاً كان يضطرم منذ عشرة أعوام، ويهدد الجزيرة بشره بين آونة وأخرى، ويفسح المجال لسعي الكائدين، وأنها قررت حدوداً كانت دائماً مثار الأخذ والرد. وهذه الخاتمة السعيدة لحوادث الجزيرة العربية تحمل على كثير من الغبطة والتفاؤل: أولاً لأنها كشفت مرة أخرى عن المعاني السامية التي يحملها التضامن الإسلامي، وثانياً لأنها ستوحد بين الجهود التي تبذل لصون استقلال الجزيرة. فأما التضامن الإسلامي فقد ظهر في هذه الحوادث بمظهر رائع، وكان لصوت الرأي العام الإسلامي اكبر اثر في تلطيف حدة الخلاف وفي تحذير الزعيمين من عواقبه؛ وكان الرأي العام الإسلامي حكما في الواقع يحتكم إليه الزعيمان، فيذيع عليه جلالة ابن السعود وثائقه ومراسلاته مع سيادة الإمام ليشهده على ما بذل من الأناة والصبر، ويرجوه سيادة الإمام إلا يقف عند الإشاعات والأراجيف المزعجة؛ وكان وفد الأمم الإسلامية الذي سافر إلى الحجاز يبذل جهده لتقريب مدى الخلاف بالنصح والتوسط والرجاء. وفي ذلك اقطع حجة لدحض مزاعم أولئك الذين ينكرون قوة الرأي العام الإسلامي وقوة أثره في توجيه الأمم الإسلامية.
وأما عن توحيد الجهود العربية فيكفي أن
نتلو نصوص معاهدة الطائف لنقدر ما يترتب على تنفيذها من تنظيم لجهود الأمتين العربيتين المستقلتين في سبيل خيرهما وخير الجزيرة العربية؛ ولنقدر ما تدلي به هذه النصوص من فهم الأمتين لما يهدد استقلالهما ومصالحهما المشتركة من العوامل والدسائس الخارجية. ولا ريب أن
اليوم الذي يدرك فيه العرب والمسلمون قيمة التضامن والاتحاد بصورة عملية، هو اليوم