للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[للأدب والتاريخ]

مصطفى صادق الرافعي

١٨٨٠ - ١٩٣٧

للأستاذ محمد سعيد العريان

- ٤ -

شاعر الحسن

كلف الرافعي بالشعر من أول نشأته، فما كان له هوى إلا أن يكون شاعراً كبعض من يعرف من شعراء العربية، أو خيراً ممن يعرف من شعراء العربية. . . كان الرافعي واسع الأمل، كبير الثقة، عظيم الطموح، كثير الاعتداد بالنفس؛ فمن ثم نشا جباراً عريض الدعوى طويل اللسان من أول يوم. . . وبهذه الكبرياء الأدبية الطاغية، وبما فيه من الاستعداد الأدبي الكبير، وبما في أعصابه من دقة الحس وسرعة الاستجابة لما تنفعل به بكل أولئك تهيأ الرافعي لأن يكون كما أراد أن يكون، وأن يبلغ بنفسه هذا المكان بين أدباء العربية.

وإذا كان الرافعي قد بدأ شاعراً كما أراد، فما كانت له خيرة في المذهب الذي آل إليه من بعد، ولكنها نوازع الوراثة، وعوامل البيئة، ودوافع الحياة التي كانت تضطرب به وتذهب به مذاهبها.

لم يكن الرافعي يقدر في أيام نشأته الأولى انه سينتهي من الأدب إلى هذه الغاية، وأن الحياة سترده من الهدف الذي يسعى إليه في مملكة الشعر إلى هذا الهدف الذي انتهى إليه في ديوان الأدب والإنشاء. وما كان أحد من خاصته وأصدقائه ليعرف أن الرافعي الشاعر الشاب الذي توزعته الصبابة، وفتنته الحياة، وتقاسمته لذات الصبا، وتعناه الهوى، وتصباه الحب والشعر والشباب - سيكون مكانه في غده هذا المكان في الدفاع عن الدين والذود عن العربية والصيال في سبيل الله. وما كان هو يأمل في مستقبله إلا أن يكون شاعراً تسير إليه في إمارة الشعر منزلة تحمل ذكر فلان وفلان من شعراء عصره.

ومضى الرافعي يسعى إلى غايته في الشعر، وقد تزود زاده من الأدب القديم، ووعى ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>