يقول الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي في حديثه مع الرسالة:(بين أيدينا كل ما ورد عن الرسول من الأحاديث، وما روي عن الأئمة من الأحكام، وما أثر عن الفقهاء من الكتب؛ وفي خزائننا ما خلف العرب وغير العرب من لباب الأدب وعصارة الفكر. ومع هذا اليسر في الوسائل وهذه القوة في الاستعداد لا نرى إلا فراغاً يثير الظنون ويغري بالأزهر التهم)
ثم يتعجب الشيخ الأكبر كما يتعجب بعده الدكتور زكي مبارك متسائلاً: لماذا لا يظهر في العصر الحديث مشرِّع مثل الإمام مالك أو أديب مثل الجاحظ. . .؟
وهذه هي المسألة التي وعدنا قراء (الرسالة) أن نبحثها في ختام مقالنا الأول
صحيح ما يقوله الشيخ الأكبر من توفر ما روي عن الرسول من الأحاديث وما روي عن الأئمة وعن الفقهاء، وتوفر ما في خزائننا مما خلف العرب وغير العرب من لباب الأدب وعصارة الفكر. صحيح كل هذا ونحن أميز عن جميع العصور حتى عن عصر مالك وعصر الجاحظ في توفر هذه المصادر كلها والمراجع كلها والكتب كلها وفي سهولة الوصول إليها والبحث فيها
ولكن توفر هذه المراجع والمصادر والكتب يبرز من بيننا إماماً كمالك ولا أديباً كالجاحظ. وليس من العجب ألا يبرز
ليست الكتب وحدها ولا المراجع ولا الأصول هي التي تنشئ الأديب ولا هي التي تبرز العبقري، بل هناك أسباب أخرى يمكن أن نذكر منها البيئة العلمية والوسط الاجتماعي، ومستوى الحياة الذهنية في العصر الذي ينشأ فيه العالم أو ينشأ فيه الأديب
فهل نستطيع أن نزعم أن البيئة العلمية التي نشأ فيها مالك والتي تكوَّن فيها تفكيره وتم نضوجه العقلي، أو تلك البيئة التي نشأ فيها الجاحظ، وتكون فيها تفكيره، وتم نضوجه الأدبي. هل نستطيع أن نزعم أن هذه البيئة أو تلك شبيهة بما نحن فيه الآن أو قريبة منها!؟
كانت الحياة الاجتماعية والحياة السياسية في عصر مالك والجاحظ تفور بالنشاط بل