للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مختار دائما. . .!]

للأستاذ محمود خيرت

ولماذا لا نذكره دائما، وهو الذي بعث الفن القديم من مرقده ورفع عنه غبار الماضي الطويل، ونشره بيننا في زي جديد تحده عليه آثار العصر الحاضر؟ أن هذا الشاب الراحل كان النواة الأولى لفنه. وما أنا بمبالغ إذا قلت إن فن النحت والتصوير كان معدوما من قبله هو وإخوانه (محمد حسن، ويوسف كامل، وعلي الأهواني، وراغب عياد، وعلي حسن، وغيرهم من زينة مصر الآن).

انهم جميعا كانوا من عمد النهضة الحديثة التي انشأ معبدها المرحوم باولوا فورشللا أستاذهم وأستاذي أيضاً. . . وقد كنت أذهب إلى مصنعه وأنا محام فعرفتهم وعرفوني، وكنا جميعا تلاميذه وان كانوا بالمدرسة وأنا في أوقات فراغي بهذا المصنع نجتمع عنده ونذهب منه إلى حيث المرج أو عزبة النخل أو شاطئ النيل أو بعض أحياء القاهرة القديمة نصور وأستاذنا يطوف بنا كالقائد يدلنا على مواضع أخطائنا. وكالأب يتلطف معنا ويغرس حب الفن في نفوسنا. نبغوا وكان على رأسهم تلك الشعلة المتقدة الراحلة. لا زلت أذكره وهو بمدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز فتى وسيما غزير الدم، مرسل الشعر، حلو الحديث، جم الحياء، عاشقاً. . . ولكن فنه يتلذذ بذكره في كل لحظاته. . . ولازلت اذكر يوم زارني عند الغروب يطلب إلي في لهفة بعض صور لتماثيل غربية عن الحب، فعرضت عليه ما عندي منها. فلما كان اليوم التالي دق التليفون عند الساعة الخامسة صباحا. . . وكان المتكلم هو يذكر أنه لم ينم تلك الليلة كلها، وقد غمره شغفه بوضع تمثال للحب على النحو الذي فكر هو فيه. بل أنه كان يكلمني من المدرسة. . . لأنه لم يستطع صبرا فما كادت الشمس تشرق عن الأفق حتى قصد إليها ووضع فكرته فعلا. وطلب إلي ألا أتأخر عنه لأرى ما وضعه. وكان تمثاله الطيني يمثل فتاة عارية متناسبة الأعضاء جميلة الوجه لها نظرات زائغة، كأنها ترى في الفضاء شبح الحب مقبلا عليها وكأنها تخافه فتدفعه بساعديها الممتدين، وقد ستر موضع عفتها بحمامتين تتناغيان على ما في الصورة المرصودة هنا وقد عنيت بالتقاطها وقتئذ.

كان مختار لا يعرف للنوم معنى ولا لملاذ الحياة طعما، إلا ما كان منها متصلا بفنه الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>