وإذا أرسلت روحي في الماضي ذكرتك يا رفيقي، وكانت قد أذهلتني عنك الحياة وقسوتها والأيام واضطهادها وعاد بي الفكر إلى تلك الأشبار من صحراء (الأقصر) حيث استقرت عظامك من خمس سنين. . .
ما اكفرني بحق الصداقة يا صاحبي! ما اغلظ هذا القلب اللحمي وما أقساه! كيف نسيت حباً وثقناه وعهداً قطعناه!
كنا نسير في الحياة كل يده في يد صاحبه وكل صورته في قلب رفيقه مرسومة. فلما فارقت الحياة أنكرت يدي الودّ القديم، وران على قلبي صدأ النسيان، وابتلع ظلام نفسي ذكراك. . بعد أن كان مكانك عرش، القلب، وبعد أن كانت ملكك كل النفس، وبعد أن كنت ملجأ روحي القلقة، وملاذ فكري المكدود. .
سامحني يا رفيقي فإنني إنسان والإنسان قد جبل على الغدر وفطر على النكران. . لتكن إنسانيتي عذرى لديك. ولا تقس الوفاء بمقياس أهل السماء، فإنني بعد سجين في الجسد، مأسور الروح، عبد لنواميس الحياة. كن كما كنت كريماً متجاوزاً، رفيقاً. .
كنا لا نصبر على الفراق ساعات يا صاحبي. لكن ها هي ذي عجلة الزمن تدور دورتها الطاحنة، وتباعد خمس سنين بيني وبينك ولا أعود أرى وجهك بعد أناستوطنت أنت السماء وظللت أنا مغترباً في الدنيا. لقد استرحت في قبرك، وخلفتني أعيش وحدي في هذا القبر الكبير!
لماذا عجلت ذهابك يا رفيقي!. كنا قد تعاهدنا أن نقتسم معا شقوة الدنيا وأن نستقبل متكاتفين قسوة الحياة، وأن يتقي كل بأخيه غدر القدر!. لماذا مللت وتركت صاحبك يهيم وحده!! أأعياك حمل رداء الهموم وأنت في سن الفتوة وعمر العزيمة، فآثرت الفرار من هذه