لكن لا يا صاحبي. . سامحني. إني لعارف انك لست من الذين يجبنون ويفرون، وأن الله هو الذي اختارك واصطفاك. . هو الحزن القديم النائم تحت رماد الأيام تهب عليه ذكراك فتستيقظ جمراته، وتكوى قلبي من جديد، فيضل تفكيري ويطيش منطقي، وأتهمك بما أنت منه برئ!.
كيف حالك يا صاحبي؟!. .
اكبرت أم أنت فتى كما كنت!؟. هل بقيت لك بسمتك وبهاء طلعتك، أم شاخت بسمتك وشحب محياك؟! أم أن صور الأرض غير صور السماء وأنك هناك دائم الفتوة متجدد الشباب مسترسل السرور في كنف الله؟!.
كيف حالك؟!
أين أنت الآن؟ أين تقيم روحك؟ هل أنت معذب أم منعم؟ قلق أم مطمئن؟ هل روحك في سلام؟.
رجائي قوي انك في سلام. . فقد كنت باراً وقضيت أيامك كالزهرة النقية تلثمها في النهار أشعة الشمس وتباركها في الليل أنوار النجوم. . كنت جم الفضائل. عشت وديعاً كطير الأفنان. كنت مصباح البيت في الهدى، ونبراس الخلق الكريم
إني مطمئن عليك يا رفيقي، وعارف بحظوتك عند الله، وبمقامك في جوار الملائكة. . يهنيك نصيبك. يهنيك انك تخلصت من الدنيا قبل أن تدرك نفسك المطامع وتلوثها الشهوات، وتشوهها أمراض الأغراض، وتدفعها قوى الشر في مزالق الخطيئة. لقد نجوت، وخلفتني وحيداً في الحياة، في سوق النفاق، أكابد الخسائر وأتجر بقواي، وأنفق من فضائلي وأقامر بأيامي وأصارع حظي الشقي. .
يا صاحبي. . لقد كلت قدمي. تعبت، هرمت روحي وأنا في شرخ الشباب. . وها هي ذي آلامي ترهقني فأفر إلى الماضي، وأذكرك وهأنذا ألجأ إلى حنانك كما كنت أفعل وأنت في الحياة. . هيا نجدد العهد، ونسعى إلى اللقيا في عالم الوهم؛ حتى تجمعنا الحقيقة في الخلود، فنعود إلى العزف على قيثارة حبنا القديم، ونسترد ألحاننا الضائعة. . .