للأستاذ محمد الدمرداش محمد. مدير إدارة السجلات والامتحانات
بوزارة المعارف
كان ذلك في يوم جمعة في شهر فبراير سنة ١٩١٩، ولم أكن وقتها حديث عهد بجبل المقطم، أو قليل خبرة بوديانه وطرقاته، ولكنها حالة طارئة من النوع الذي يبتلى به رواد الصحراء. فتودي بهم أو تجعلهم يتخبطون فيها على غير هدى، إلى أن تنتشلهم العناية الألهية (كانت تجربة قاسية ولكن الله سلم)، ولا يظنن القارئ أن هذه التجاريب وأمثالها تصد رواد الجبال والصحراوات عن رحلاتهم، بل هي مما يزيد في خبرتهم وحماستهم ويجعلهم (معيدين) يقدمون غير هيابين أو وجلين.
خرجت من منزلي في هذا اليوم في الصباح الباكر، وبصحبتي أحد الأصدقاء نقصد زيارة الغابة المتحجرة الكبرى بجبل المقطم على أربع ساعات من القلعة بالسير الحثيث جهة الجنوب الشرقي وكان اليوم صحواً، والطقس معتدلا، والهواء ساكناً، وكنا على عزم أن نعود بعد الظهر بقليل، فلم نأخذ معنا ماء ولا طعاما سوى شطيرتين (سندوتش) لكل منا. وكانت ملابسي خفيفة وليس معي من مرافق الرحلات الجبلية سوى عصا قصيرة.
وصلنا المنشية في منتصف الساعة السابعة، ثم درنا حول القلعة من جهة (عرب اليسار) وبعد أن اجتزنا تكية سيدي المغاوري أخذنا نرتقي الجبل؛ وبعد نصف ساعة وصلنا هضبة المقطم السفلى، وبعد أن مررنا بقلعة الجبل ومقام سيدي
الجيوشي أخذنا طريقنا إلى هضبة المقطم العليا، ثم أخذنا نسير في نفس الطريق الذي يسلكه عادة الذي يقصدون (عيون موسى) وبعد ساعة مررنا بعيون موسى، ثم انحدرنا إلى وادي اللبلابة وهو واد متسع قليل الارتفاعات، فأخذنا طريقنا فيه متجهين نحو الجنوب وبعد ساعتين من عيون موسى وصلنا الغابة المتحجرة الكبرى بعد أن قطعنا نحو ١٨ كيلو متراً.
كانت الساعة وقتئذ العاشرة والنصف. وكنا على أحسن ما نكون نشاطاً وسروراً، وكانت الشمس ساطعة، والهواء دافئاً منعشاً، وبعد أن استرحنا قليلا تناولنا ما كان معنا من الطعام.