الحلق فيتعاطى غرغرة. هذه كلها لا شك فضائل ولكن في المرض، أما في الصحة فهي مؤذيات يزيد أذاها بالإسراف من شرب الشاي. فمن ذا الذي يحب الإقلال من إفرازاته الطبيعية التي عليها مدار الهضم؟ ومن ذا الذي يحب أن يستعيض عن معدته الطرية الملساء بما فيها من مخاط بمعدة كجلد القرب؟ عرفت سيدة عجوزا يؤذيها الشاي خفيفا، ولكنها تستريح عليه إذا كان ثقيلا كلون الدم السكيب. وكانت تتتعاطاه في بدء كل طعام وفي آخره؛ وما ذاك الا أنها كانت قريحة المعدة لا تحتمل مس الطعام وإن لان. ولكن ليت شعري عمَّ يتساقاه فلاحونا عافاهم الله، فتلك بكارجهم لا تكاد تطفأ من تحتها النار، فيقذفون فيها بالماء فالشاي، فالماء فالشاي، حتى يصبح الشراب أقتم من طالعهم الأسود، أعن أمعدة قريحة يتساقونه فيجدوا فيه شفاء من ألم؟ أم لأنهم لم يجدوا في سوء الغذاء وقلته وفي الامراض الكثيرة المتوطنة بمصر كالبلهارسيا والانكلستوما أداة كافية لهد قواهم فاتخذوا من الشاي في العقد الاخير أداة جديدة تقتل في بطأ وطول؟
وثالث الأصول التي بالشاي وأهمها مادة قلوية تسمى بالكافيين، وإن شئت قلت القهوتين، وإن شئت قلت الشايين، وهذه كلها معناها الأصل الفعّال في الشاي أو في القهوة المتعارفة؛ فالأصلان واحد. وهذا الأصل أهم ما في هذين الشرابين من الأصول الطبية. أما أثره فيظهر في مراكز المخ العليا، فهو يزيد في يقظة العقل عامة، وفي المقدرة على الحكم في الأمور وعلى حسن الاستنتاج، وربط الفِكَر. وهو يذهب بالتعب عقليا كان أو جثمانياً. ولعل شرب الناس له في العصر بعد انقضاء أكثر عمل اليوم، كان لحكمة اهتدى إليها الشاربون بغريزتهم. وهو فوق ذلك يدرّ البول.
وللشاي في الأمم المدنية الحديثة أثر اجتماعي كبير، فقد اتخذت منه تلك الأمم وجبة خفيفة، خفيفة على المعدة وعلى الجيب على السواء، يجتمع عليها أهل الأعمال يتحدثون برهات قصيرة، وأهل المودة يتسامرون ساعات قليلة، ويلتقي عليها الأحباب في برء وعفة، يتجاذبون أطراف الأحاديث الحلوة، ببطون بالطعام خفيفة، وقلوب بالحب مفعمة ثقيلة.