للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في اللغة والألفاظ]

الدعوة إلى اختصارها لتسهيلها

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

اللغة تتبع الدولة، وتسير في ظلها، ولا سبيل إلى انتشار لغةٍ يُغلب أهلها على أمرهم، وبعيدٌ أن تُصد عن الذيوع لغةٌ يتسع سلطان أبنائها وتنبسط رقعة ملكهم أو نفوذهم، ولا عبرة في هذا الأمر بما في اللغة نفسها من سهولة أو عسر في التحصيل، والمعول على القوة والسلطان، لا على أن اللغة قريبة المنال أو بعيدته، ويسير المطلب أو عميقة المغاص، وقد استطاعت اللغة الإنجليزية أن تنتشر في الأرض وأن تنفذ إلى مجاهلها، وأن تزحزح الفرنسية وتحطمها عن عرشها، لأن سلطان هذه الدولة امتد شرقاً غربياً، وليست الإنجليزية أسهل من الفرنسية أو العربية، ولكن قوة أهلها أكبر، ونشاطهم أعظم؛ وهذه (الاسبرانتو) التي اخترعوها لتكون اللغة المشتركة بين الأمم ماذا كان مآلها؟ يعرفها آحاد راقتهم الفكرة، ولا يعبأ بها أحد فيما عدا هؤلاء النفر القليلين، لأنه ليس وراءها ولا قدامها دولة لها سطوة، وفي الهند لغات لا رجاء لا حداها حتى في أن تصبح لغة الهند كلها ما دامت إنجلترا تحكمها، وفي مصر جالية أجنبية ليس أنشط منها ولا أكثر عدداً، هي الجالية اليونانية، ولكنه يندر أن يعني مصري بتعلم لغتها، على حين نتعلم الإنجليزية في مدارسنا ونعدها لغتنا الثانية

ولا آخر لما يمكن أن نضربه من الأمثال ونسوقه من الشواهد، فحسبنا هذا القدر، فالذين يقولون إن المستر اوجدن قد تخير من اللغة الإنجليزية خمسين وثمانمائة لفظ رآها كافية وافية بحاجات التعبير كلها، وأن مثل هذا الاختصار أو الاختزال ميسور في اللغة العربية، وإنه يعين على نشر اللغة ويفضي إلى ذيوعها، ويتيح لها أن تصبح (عالمية) - أقول إن الذين يذهبون هذا المذهب، ويفكرون على هذا النحو، يغلظون ويقلبون المسألة، وذلك أن هذه الألفاظ الثمانمائة ليست الإنجليزية، ولا فيها لأبنائها وعلمائها وكتابها وساستهاأي كفاية، وإنما هي حسب الأجنبي الذي يريد أن يتصل بأهلها اتصال تجارة أو ما هو من هذا بسبيل، وقد ابتكر المستر اوجدن هذه الوسيلة ليمكن للغته ويزيدها ذيوعاً، لا لينشرها، فقد تكلفت بنشرها الإمبراطورية الطويلة العريضة من قبل أن يخلق المستر اوجدن؛ ولو أنك

<<  <  ج:
ص:  >  >>