كيف ألغيت الامتيازات في مونترو بعد أربع قرون على قيامها
لباحث دبلوماسي كبير
انتهت المفاوضات التي تجري بين الحكومة المصرية وبين الدول منذ الثاني عشر من شهر أبريل في مونترو - في مسألة إلغاء الامتيازات الأجنبية بعقد اتفاق جديد بين مصر والدول حققت فيه مصر أمنيتها الكبرى، وهي إلغاء الامتيازات الأجنبية.
والامتيازات الأجنبية التي وفقت مصر إلى إلغائها في مونترو هي من تراث الدولة العثمانية الذاهبة، وترجع إلى أوائل القرن السادس عشر، حينما بدأ السلطان سليمان بعقد معاهدة مع فرانسوا الأول ملك فرنسا، منحت فيها للرعايا الفرنسيين الذين يقيمون في أراضي الدولة حقوقاً ومزايا خاصة؛ واستطاعت معظم الدول الأوربية بعد ذلك أن تحصل تباعا من سلاطين تركيا على منح مماثلة لرعاياها؛ ولم يأت القرن الثامن عشر حتى كانت هذه الامتيازات التي اتخذ منحها في البداية صورة التفضل والمنحة الاختيارية قد غدت بالنسبة للأجانب حقوقاً مكتسبة تغل سلطة الباب العالي نحو الأجانب في كثير من الشؤون المالية والقضائية
ولما كانت مصر بحكم خضوعها للدولة العثمانية في تلك العصور تخضع لنظام الامتيازات الأجنبية الذي يطبق في جميع الأراضي التابعة للدولة، فقد بقي هذا النظام سارياً فيها حتى بعد أن حصلت على استقلالها في عصر محمد علي، ولم تستطع أن تتحرر منه بعد أن رسخت جذوره على كر العصور وغدا معقلا لرعايا الدول الممتازة يحتمون به، ويتمتعون في ظله بكثير من الحقوق وضروب الإعفاء القضائية والمالية
وكانت الدول تعمل تباعا على توسيع هذه الحقوق والامتيازات حتى غدت في النهاية عبئاً ثقيلا على كاهل مصر يحد من سيادتها في كثير من النواحي، ويعرقل حريتها وتقدمها، ويحدث الخلل والاضطراب في شؤونها القضائية والمالية والإدارية. وتفاقمت هذه الحالة في عهد الخديو إسماعيل ففكر وزيره نوبار باشا في مفاوضة الدول في إنشاء نظام خاص