للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين (أنات حائرة) وبين (قيس ولبنى)]

من دموع الشاعر الجليل عزيز أباظة بك

للأستاذ دريني خشبة

ترى، هل كانت هذه الزوجة الكريمة الملهمة تدري أنها تقترح على زوجها إنشاء رثائها هذا المؤلم الحزين الخالد، وهي لا تزال على قيد الحياة، حينما اقترحت عليه نظم (قيس ولبنى؟)

ويا ترى، هل فطن هذا الزوج الكريم، وقد شرع ينظم (قيس ولبنى) أنه إنما شرع ينظم رثاء أعز الناس عليه، وهي بعد لا تزال تنبض بحياة حافلة سعيدة؟

يا للمأساة التي أنتجت لنا كل هذا الأدب، وكل هذا الشعر!

فوجئت بهدية الأستاذ الكريم على غير سابق معرفة، ففرحت بها، لأنها ملأت يدي بأملي المنشود الذي كنت أرسلهما من أجله في الأدب العربي فلا تفوزان منه إلا بالوشل الذي لا يشفى غلة، ولا يبل ظمأ. . . فلما قرأتها، عرفت فيها ريح ذلك الفؤاد المحزون الذي نفس عن أشجانه (بأناته الحائرة) أو هذه الباقة العبقة من زهرات الألم والأسى، التي نظمها الشاعر تحية لروح أعز الناس وذكرى! وجدت في المسرحية ريح هذا الفؤاد المحزون، وكنت قد تصفحت (أنات حائرة)، فلشد ما راعني أن صدق حدسي! لقد وقعت فيها على زفرة من ذاك الأنين الموجع الذي وصف به الشاعر في إحدى مراثيه تلك الليلة الخالدة في حياة كل زوج، الليلة الأولى التي تربط بين قلبين، وتحقق حلمين، وتستفتح في تاريخ كل عش هادئ طوبى من السعادة والمحبة والتوفيق. . .

لقد أجرى الشاعر على لسان قيس، في ليلته السعيدة الأولى، حينما لم الله شمله بلبنى، نغماً من تلك الموسيقا الباكية التي ترددت في أطرافها أناته الحائرة، والتي ذرف بها دموعه وروحه، وجدا على شريكه حياته وحرقة والتياعا. . .

اسمع إلى الشاعر الجليل يرثى إلفه في ليلة ذكرى عرسه:

يا ليلة جمعتنا بعد طول نوى ... ذكراك هاجت لنا الأشجان ألوانا

ذكرت ما كان من عرس جلوت به ... عليَّ أكرم خلق الله إنسانا

بيضاء هيفاء تحكي الصبح مؤتلقا ... والروض متسقاً والبان ريّانا

<<  <  ج:
ص:  >  >>