للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَريدُ الأدَبي

فلسطين والأدب:

قرأت ما كتبه (فتى الفيحاء) في العدد السابق من (الرسالة) فاهتز كياني وكادت تذهب نفسي حسرات لما قارنت بين موقف أدبائنا وشعرائنا من أبناء وطنهم وأشقائهم، وموقف بيرون الشاعر الانجليزي من يونان.

فبيرون لم تكن تربطه باليونان لغة أو وطن أو جنس، ومع ذلك أيت عليه نفسه أن يرى طلاب الحرية وخطاب المجد يكافحون الغاصب ويدفعون المحتل ولا يكون لهم من نصرنه نصيب، فهجر راحته ووقف نفسه على اليونان ليكون له في إعانة الضعفاء قسط وفي بناء الحرية مقام.

فصرخت من أعماق نفسي واخجلتاه! أعقمت الأمة العربية فلم تلد بيروتاً واحدا؟

ولكن سرعان ما تبدل الخوف أمنا حين رأيت (الرسالة) تفتتح معركة فلسطين الأدبية فأرسلها صاحبها مدوية مجلجلة تنعي على ساسة أوربا وقادة أمريكا لصوصيتهم الكافرة وصليبيتهم المتطرفة، وتأليبهم الجائر على العرب ابتغاء مرضى يهوذا ومصانعة لأبناء صهيون. ثم ثنى على ذلك فصور نفسية اليهودي وقد اقتربت الفريسة منه بعد أن أحكم لها الشباك، ثم بدا له فارتد عنها مذعوراً، فلم يغره في هذه المدة وهج الذهب الذي عبده منذ خلق، ولم تأسره المادة التي ما زجت نفسه وانحدرت إلى عروقه من أسلافه، لأن ذلك قد يعوق سير الصهيونية ويضر مسلحة إسرائيل. ثم ثالث فأنذر بقيام ساعة العرب قريبا وكيف لا تكون قريبة وقد استنوق الجمل واستجملت الناقة، فحمل اليهود السلاح وشهدوا الحرب وأحرزوا النصر واحتلوا المدن؟

ثم انتظرنا بعد ذلك أن يستجيب أدباؤنا الكبار لنداء العروبة والأخوة فتتوارد على (الرسالة) مقالاتهم وقصائدهم لتسجل في ديوان العرب المشترك محنة فلسطين، فتشجع الخائف وتطمئن الحائر وتضيف عزيمة إلى عزائم المجاهدين. انتظرنا أن يحرك سقوط حيفا ومذابح دير ياسين وتشريد أبناء فلسطين مواطن العطف من نفوس شعرائنا فيبرز رثاء لمن استشهد، ومواساة لمن شرّد، وناراً تلظى على نفاية البشر وشذاذ الآفاق!

ولكن انتظارنا ذهب عبثا!

<<  <  ج:
ص:  >  >>