ألف الأديب الرحالة المصري أبن فضل الله العمري كتابه الموسوعي العظيم (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) منذ خمسين وستمائة سنة (هـ) في عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وظل الكتاب مخبوءاً في زوايا الإهمال حتى أتيح بعثه على يد فقيد العروبة العامل الأستاذ أحمد زكى باشا سنة ١٩٢٤، والكتاب ذخيرة ثمينة حقاً، وهو لا يقل في قيمته عن الموسوعات المصرية الثلاث الأخرى (صبح الأعشى، ونهاية الأرب، ولسان العرب).
ولعل أظرف فصل عقده المؤلف في كتابه (ج١) هو ذلك الفصل الذي يتكلم فيه عن آثار مصر القديمة، وما كان الناس يفترضونه من تاريخها، وما يعللون به تشييد تلك المباني الضخمة والهياكل العتيدة!
وقد وصف أبن فضل الله أهرام الجيزة فقال:(. . وهي أشكال لهبية، كأن كل هرم لهبة سراج، آخذة في أسفلها على التربيع مسلوبة في عمود الهواء، آخذة في الجو حتى إلى التثليث، لولا استدارة اُبلوج السكر (قمع السكر!) لشبهناها به، ويحتمل أن يكون هذا الشكل موضوعاً لبعض الكواكب لمناسبة اقتضته. .) وذكر قبل ذلك سبب بنائها قال:(قيل إنها هياكل للكواكب، وقيل قبور ومستودع مال وكتب، وقيل ملجأ من الطوفان، وهو أبعد ما قيل فيها!) ثم يعلل أنها لم تكن ملجأ للطوفان بأنه شاهد بعض الأهرام في مصر العليا مبنية من اللبن! وبعد أن يذكر بعض أقوال الشعراء في صفتها ينتقل إلى أبى الهول فيقول: (. . . وهو اسم لصنم يقارب الهرم الكبير، وفي وهدة منخفضة تقع دونه شرقاً بغرب.
لا يبين من فوق سطح الأرض إلا رأس ذلك الصنم وعنقه، أشبه شيء برأس راهب حبشي، عليه غفّارية؛ على وجهه صباغ أحمر إلى حُوّة، لم يحل على طول الأزمان وقديم الآباد، وهو كبير، لو كان شاخصاً كله لما قصر عن عشرين ذراعاً طوله في غاية مناسبة التخطيط!! يقال إنه طلسم يمنع الرمل عن المزدرع. . .).
ويسمى أبن فضل الله سلسلتي جبال العرب وليبيا (حائط العجوز!!) (وهو حائط يستدير بالديار المصرية ممتداً على جانب المزدرع بها كأنه جعل حاجزاً بين الرمل والمزدرع. .