للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من دخان المجتمع!]

(في ذكرى قاسم أمين)

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

جَفَّ الخَمْيلُ. . . فَلاَ ظِلٌّ وَلاَ ثَمَرٌ ... وَلا نَشِيدٌ إِلَيْهِ يَظْمَأُ الوَتَرُ

إِلا بَقايا أَغانٍ هَاهُنَا وَهُنَا ... مُصَرَّعَاتٌ عَلَيْهَا الصَّمْتُ يُحْتَضَرُ

وقُبْلَةٌ مِنْ شِفاهِ الطَّيْرِ ثاكِلَةٌ ... عَلَى الغُصُونِ، تَهَاوَتْ حَوْلَها الذِّكَرُ

وَشاعِرٌ في يَدَيْهِ أَدْمُعُ وَدَمٌ ... وَجَذْوِةٌ مِنْ أَسىً تَغْلي وَتَسْتَعِرُ

وَيَشْتَكي فَيَقُولُ النَّاسُ هَزَّ صَدًي ... وقال شعرا. ضلَلْتُمْ! إِنَّهُ ضَجِرُ

طَوَى الرَّبيعَ عَلَى أَقْدَاحِهِ مَزِقاً ... مِنْ قَلْبِهِ، في هَجِيرِ العُمْرِ تَنْفَطُرِ

ونَغْمَةًَ في صَحارَى النَّفْسِ حَائِرَةً ... ما في فَمي نَبْأَةٌ عَنْهَا وَلاَ خَبَرُ

دُفِنْتُ فِيها، وَذَرَّاني بِحيرتِها ... إِعْصَارُ يَأْس كَلَيل الجِنِّ مُعْتَكُرُ

ما يَبْتَغي عاشِقُ التَّغْريِد منْ نَغَمي ... وَالكَوْنُ حَولَيِ زَندٌ خَانهُ الشَّرَرُ

والأرْضُ بَرْ كانُ آجَالٍ يَكادُ بِها ... لَولاَ العْنَايَةُ في الآفَاقِ يَنفَجرُ

وَالنَّاسُ مِثْلُ الضَّوَاري لا خَيالَ لُهْم ... إِلا المْخالِبُ والأنْيابُ والظَّفرُ

وما بِهِم جائِعٌ عَزَّتْه لقمَتُهُ ... ولا شَرِيدٌ تَجَافى جَنْبهُ المَدرُ

فما لُهم جَيَّشوا الأَرْزاَء واحْتِشَدُوا ... للمْوتِ فانين لا هَابوُا ولا حَذِرُوا

وَجَنَّدوا الغَازَ. . . وارْتجَّوا له فزَعاً ... وتَحْتهُم فَغَرَتْ أَشْدَاقَها الحُفَرُ

في كُلَّ يومٍ سَريرٌ ذَابَ صَولَجُهُ ... وَدَولَةٌ في رِياءِ السِّلْمِ تندَثِرُ

فإِن تَبَرَّجَ فتَّاكٌ. . . وَطُلَّ دَمٌ ... فالنَّسْرُ جَوعانُ في الآجامِ ينْتَظرُ

وَلْيذّهَبِ العَصرُ مطعوناً بِخنجَرِهِ ... تُبْلي حَضَارتَهُ الأطْماعُ والأشَرُ!

قُنَّعتمُ. . . وعشاشُ الطَّيْر عَاريَةٌ ... والأفرخُ البيضُ والأطفالُ والزّهرُ

حَتَّى الربيعُ. وما ذَنْبُ الصَّباحِ به ... والنَّهْر يَحلمُ والأنْسامُ والشَّجَرُ؟

مهَازِلٌ أَبْدعَ الطّاعونِ فِتنتها ... ما هَزَّني هاجِسٌ منها ولا أَثَرُ. . .

أنا ابْنُ من أَعيتِ الدُّنيا حَضَارتُهُم ... ونوَّرُوا وَظلامُ الأرضِ مُعتَكرُ

وأنْطقُوا مُعِجزَاتِ الفَنَِ قاهِرَةً ... والدَّهرُ لَجلَجَهُ الإعْياءُ والحَصْرُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>