للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغزالي وعلم النفس]

اللاشعور والعقل الباطن

للأستاذ حمدي الحسيني

- ٦ -

أما وقد انتهينا من التحدث عن الشعور ومظاهره الثلاثة: الإدراك والوجدان والنزوع في نظر الأمام الجليلأبيحامد الغزالي، فقد وجب علينا أن نتحدث عن اللاشعور في نظره أيضا. وسترى في معرفة هذا الرجل العظيم باللاشعور أو العقل الباطن ما يستثير إعجاب ذوي الألباب من العاكفين على الدراسات النفسية الحديثة، العارفين بأن اللاشعور أو العقل الباطن لم يكن معروفا عند علماء النفس إلى أواخر القرن الماضي حتى نشر العالم النمساوي العظيم سيجمند فرويد نظريته في اللاشعور والتحليل النفسي.

أجل، كان علماء النفس يعتقدون أن ليس في حياة الإنسان النفسية غير الشعور ولكن علماء اليوم لا سيما مدرسة (فرويد) يعتقدون أن الشعور ليس سوى جزء صغير من حياة الإنسان النفسية، وأن سلوك الإنسان في حياته ليس نتيجة هذه الخواطر والأفكار التي يكون الإنسان شاعرا بها بل هو نتيجة تفاعل عوامل نفسية كثيرة. ولذلك لا يكون الإنسان عالما بها الجليد في البحر. فإن الجزء الظاهر منه فوق سطح الماء صغير جدا بالنسبة إلى الجزء المغمور فيه؛ فالتيارات السفلية هي التي تؤثر في حركة جبل الجيد وتوجه تسييره. ولهذا قد يرى سائرا ضد التيارات البحرية السطحية رغم إنها قد تبدوا قوية أحيانا. فالتيارات السفلية والجزء المغمور في الماء تستبه اللاشعور وأثره في شعور الإنسان وتوجيه سلوكه.

ولنر الآن هذا اللاشعور أو العقل الباطن في نظر الغزالي. ونحن لا نستطيع أن نعرف رأي الغزالي في هذا الموضوع الجليل قبل أن نعرف أن الغزالي تصدى لتفسير معاني القلب والروح والنفس والعقل فأعطي هذه الأسماء الأربعة معنى واحدا مشتركا بينها جميعا وهو ما نسميه نحن بااللاشعور أو العقل الباطن ويسميه هو باللطيفة الربانية التي لها بالقلب الجسماني تعلق. وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك العالم العارف من الإنسان والمخاطب والمعاقب والمطالب. ولها علاقة مع القلب الجسماني.

<<  <  ج:
ص:  >  >>