وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه هذه العلاقة. وأن تعلق القلب بها يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات والمستعمل للآلة بالآلة والمتمكن بالمكان ثم يتعمق الغزالي في هذا المعنى فيقول (أنه يراد بالنفس المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان وهي الصفات المذمومة التي تحتاج من أجلها إلى مجاهدة وكسر. ويراد بالنفسأيضاًتلك اللطيفة التي هي نفس الإنسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها فإذا سكنت تحت الأمر وكايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة، وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للشهوات معترضة عليها سميت النفس اللوامة. وأن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات سميت النفس المارة بالسوء. وعلى هذا فتكون النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم وبالمعنى الثاني محمودة غاية الحمد. ثم يقول أن العقل قد يراد به العلم بحقائق الأمور فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محله العقل والثاني قد يكون تلك اللطيفة التي ذكرت من قبل. ولا شاعرا بأثرها. فإن الإنسان يعمل في هذه الحياة ويتحرك مدفوعا بعوامل نفسية كثيرة مختلفة خفية عنه مستقرة في قرارة نفسه. ولا سبيل إلى تسلطه عليها. لأنها ليست خاضعة لإرادته وليس له علم بها.
فااللاشعور إذن هو قرارة النفس وقاعها. تتجمع فيه ذكريات قديمة منسية وغرائز حيوانية ضارة لا يرتضيها المجتمع كالقوة والشره ومحبة الناس. ومخاوف كثيرة متعددة متضاربة. وعواطف وأمان وعادات تتفاعل بعضها مع بعض. توجه سلوك المرء على غير علم منه. ولهذا يمثل العلماء هذه الحالة النفسية بجبل.
ونحن نرى في هذه اللطيفة التي يفسر بها الغزالي معاني القلب والروح والنفس والعقل اللاشعور واضحا جليا ونرى العقل الباطن (في تفسيره للنفس بأنها المعنى الجامع لقوة الغرائز ونيارات الميول الإنسانية) ظاهرا نقيا. وكأن الأمام الغزالي أراد أن يعطينا صورة واضحة لعلاقة العقل الباطن بالسلوك الإنساني فلجأ إلى التشبيه بالجميل وضرب المثل الحكيم فافترض أن للقلب أو العقل الباطن جنودا كثيرة منها ما يرى بالأبصار ومنها ما لا يرى إلا بالبصائر، فوضع العقل في حكم الملك، والجنود في حكم الخدم والأعوان، أما الجند المشاهدة بالعين فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وسائر الأعضاء الظاهرة