للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والباطنة جميعا خادمة للعقل الباطن مسخرة له فهو المتصرف فيها وقد خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا ولا عليه تمردا، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت، وإذا أمر اللسان بالكلام وجزمه الحكم به تكلم. فجملة جنود العقل تحصرها ثلاثة أصناف صنف باعت ومستحث إما إلى جلب المنافع وأما إلى منع الضار، وقد يعبر هذا الباعث بالإرادة. والثاني هو المحرك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد ويعبر عن هذا بالقدرة. وهي جنود مبثوثة في سائر الأعضاء لا سيما العضلات منها والأوتار. والثالث هو المدرك المتعرف للأشياء وهي قوة البصر والسمع والشم والذوق واللمس، وهي مبثوثة في أعضاء معينة ويعبر عن هذا بالعلم والإدراك ومع كل واحد من هذه الجنود الباطنة جنود ظاهرة وهي الأعضاء المركبة من الشحم واللحم والعصب والدم والعظم التي أعت آلات لهذه الجنود، فإن قوة البطش إنما هي بالأصابع وقوة البصر إنما هي بالعين وكذا سائر القوى. والجند المدرك بعضه قد أسكن منازل ظاهرة

كالحواس الخمس وبعضه أسكن منازل باطنة كتجاويف، الدماغ فإن الإنسان بعد رؤية الشيء يغمض عينيه فيدرك صورته في نعسه وهو الخيال، ثم تبقى تلك الصورة معه بسبب شيء يحفظه وهو الحافظ ثم يتفكر فيما حفظه فيركب الجند بعض ذلك إلى بعضه الآخر ثم يتذكر ما قد نسيه ويعود إليه، ثم جملة معاني المحسوسات في خياله بالحس المشترك بين المحسوسات ففي الباطن حسن مشترك وتخيل وتفكر وتذكر وحفظ. ثم يذكر الغزالي العقل الواعي وهو عقل المعرفة وعلاقته بالعقل الباطن في تدبير سلوك الإنسان فيعطي العقل الواعي حق الرقابة على رغبات العقل الباطن وتصرفاته وسلوكه فيعمل كل هذا بدقة متناهية تدل على فهم عميق لنفسية الإنسان العجيبة يقول (أن جند الغضب والشهوات قد ينقادان لعقل انقيادا تاما فيعينه ذلك على طريقه الذي يسلكه. وقد يستعصيان عليه استعصاء بني وتمرد حتى يملكاه ويستعبداه وفي هذا هلاكه) وللعقل جند آخر وهو (العلم والحكمة والتفكر) وحقه أن يستعين بهذا الجزء على الجند الآخرين؛ فإن ترك الاستعانة وسلط على نفسه جند الغضب وبقية الشهوات هلك يقينا. ثم يضرب الغزالي الأمثال على هذا فيقول: مثل نفس الإنسان في بدنه اعني النفس اللطيفة كمثل في مدينته ومملكته ملك، فإن البدن مملكة النفس وعالمها ومستقرها وقواها، ومدينتها وجوارحها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>