ما أشد غرور الإنسان في هذه الحياة!! وما اكثر تعلقه بالأوهام! ولكم حوى هذا الكون الأحمق في طياته من غرائب ومهازل! ولعل من أغربها أهكومة الألقاب الجوفاء في أيامنا هذه. فلقد اقتبسنا الميل إلى تلك الألقاب عن الفرس والترك في الأيام الخوالي، ثم لما ضعف سلطاننا اتخذناها ألهية نلهو بها عن الملك المضاع، حتى تأصل هذا الميل فينا واستشرى، وصرنا نسمع بأسماء وألقاب يضحك منها العاقل: كصمصام الدولة، وغضنفر الملة، وأسد الدين، وغير ذلك مما يذكرنا بصاحب البيت الأتي:
(ألقاب مملكة. . .)
ومن النكات المستملحة أن رجلا من الصق الناس بي وازهدهم في الألقاب، زار مصر أخيراً فحار الناس بماذا يلقبونه: فواحد زعم انه صاحب السمو، وثان قال انه صاحب السعادة، وثالث ادعى انه صاحب العزة. ولقد والله اخطأ الثلاثة واتاهوا عن محجة الصواب. فالرجل ليس بصاحب سمو، بل هو كسائر الناس صاحب انخفاض. . . لأن كل دقيقة تمر من العمر تدنيه وتدنينا من حفرة منخفضة، سنصير إليها عما قريب، وسنغيب فيها شئنا أم أبينا، وذلك بعد ان نحمل على الآلة الحدباء المعروفة التي قال فيها الشاعر:
كل ابن أنثى وان طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول
وليس الرجل بصاحب سعادة، بل نحن كلنا أصحاب شقاء في هذه الحياة الفانية. وما هي السعادة يا صاح؟ وأين هي؟ لقد سلخت من العمر أربعين حجة وأنا أفتش عنها بلا طائل. تنورتها تارة بالكهرباء، وطورا بالسراج وفتيلته. . . وتحريتها بالعين وبالمجهر. وغشيت لأجلها كل المجتمعات، وتلمستها لدى كل الطبقات. وعدت في آخر طوافي وأنا أشقى من صاحبنا حنين، لأن هذا أضاع البعير لكنه فار بخفيه، وهما شيء لديه، أما أنا فلم أجد لدى أحد من السعادة ما يساوي خفاو أحداً لا خفين. وسأظل أفتش عن هذا الخيال الذي علقته الناس، مشبها في استقصائه صاحب البيت الآتي، وقصته يعرفها بعض الأدباء:
من لي بهاتفة يوما وقد سالت ... أين الطريق إلى حمام بنجاب