أما الإدعاء بأن الرجل صاحب عزة، فهذه ثالثة الأثافي. فالعزة لله وحده. أما صاحب عَزة (بفتح العين) فهو شاعر غزل، اسمه كثير، وهو زير نساء، وصاف لمحاسن ربات الحجال. أحب عزة وعشقها وشبب بها، وقال فيها البيت المشهور:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
والبيت المفجع الآتي:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... لا موجعات القلب حتى تولت
وقد هلك كثير وهلكت عزة منذ قرون، فكيف يكون رجلنا صحبها. . . مع هذا فهو قد فاته الغزل، وعداه التشبيب، وتدلف إلى الكهولة، فلا هو من أصحاب عزة ولا عزمة من صواحبه. . .
والخلاصة أن البلاد العربية، ولا سيما مصر والشام والعراق، أسرفت في النعوت والألقاب، خلافاً لما نراه في كثير من أنحاء أوربا. ورحم الله زماناً كان فيه ملك الخلفاء يمتد من الهند إلى بحر الظلمات، مع هذا كان عمالهم يخاطبونهم بمثل قولهم إلى فلان أمير المؤمنين من عامله على كذا) والحكومة إذا لم يكن الحاكم ففيها كمصعب في البيتين الآتيين:
إنما مصعب شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك قوة ليس فيه ... جبروت ولا به كبرياء
فهل من مشتر للألقاب كافة؟ (حتى التي فاتت القلقشندي في صبح الأعشى. . .) بحكمة يفيدنا إياها، أو بسر صغير من أسرار هذا الكون يرفع لنا الستار عن غوامضه؟