الإسلام هو السلام الإلهي على هذا الكون. شرعه الله وهو العليم الخبير ليكون للناس جميعاً دستوراً كاملاً تصلح عليه شؤون الفرد وأمور الجماعة من كل جنس وفي كل عصر وعلى كل أرض.
جعل فيه أفضل ما في الديمقراطية، وأعدل ما في الاشتراكية، وأجمل ما في المدنية؛ ثم كشف لرسوله الكريم عن أطوار النفس البشرية في طوايا الغيب فدعا دعوته الخالدة لتكريم الإنسان وتنظيم العمران وتعميم الخير وتحقيق السعادة من طريق التوحيد والمؤاخاة والمساواة والحرية والسلام. فالتوحيد سبيل القوة، والمؤاخاة سبيل التعاون، والمساواة سبيل العدل، والحرية سبيل الكرامة، والسلام سبيل الرخاء. وتلك هي الغايات التي ترجو الإنسانية بلوغها عن طريق النظم السياسية والمذاهب الاجتماعية فلا تتكشف أمامها بعد طول الجهاد وقرط الجهد إلا عن سحاب خلب وسراب خادع.
ثم علم الله جلت حكمته وعز شأنه أن الفقر من أمراض المجتمع المحتومة ما دام في الناس القادر والعاجز والقانع والطامع والسابق والمتخلف، فعالجه علاجاً لو دأب عليه المسلمون لعاشوا أخوة متعاطفين متناصرين تجد فيهم الفقير ولا تجد فيهم المحروم، وترى بينهم الضعيف ولا ترى المظلوم , لأن دينهم جعل بين الغني والفقير سبباً هو البر، وأنشأ بين القوي والضعيف نسباً هو الرحمة. ولو أخذ به المصلحون لوقى العلم شر هذه النحل الهدامة التي تثير بين الدول النزاع والحرب، وتنشر بين الأمم القلق والثورة. ذلك العلاج الإلهي هو الوساطة بين الأغنياء والفقراء على أساس الاعتراف بحق التملك، والاحتفاظ بحرية التصرف، فلا يدفع مالك عن ملكه، ولا يعارض حر في إرادته. إنما جعل للفقير في مال الغني حقاً معلوماً لا يكمل دينه إلا بأدائه. ذلك الحق هو الزكاة وهي الركن الثالث من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام. وليست الزكاة بالقدر الذي يخفى أثره في حياة الفقير، فهي ربع العشر في المال وما يقدر بنحو ذلك في غيره. فإذا جبيت الزكاة بالأمانة على حسابها المقدر، ولا جاهلاً في عمل. ذلك العلاج الذي عالج به الإسلام الفقر فيه البر والرحمة من صاحب المال، والرضا والقناعة من صاحب العمل، والرعاية والحكم من صاحب الحكم. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون الخيرة من أمرهم؛ ولكن أصحاب النحل الخبيثة وذوي المطامع الخسيسة لم يرضهم في الزمن الغابر،