كان الأعرابي الجلف الجافي، يقعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ساعة من الزمان يستمع فيها إليه، فلا يقوم إلا وقد فهم الإسلام وعرفه، وصار من المبشرين به والداعين إليه. وكان يصحب النبي أياماً فلا تنقضي حتى يغدو عالماً، يبعثه النبي إلى قومه معلماً ومرشداً، فيعرفهم الحدود، ويبيَّن لهم الحلال من الحرام. . .
كان هذا يوم لم يكن تدوين، ولم تصنف المصنفات، ولم تجمع الأحاديث. . . وهانحن أولاء نملك أكثر من مائة ألف كتاب ورسالة في التفسير والحديث والفقه والأصول والتصوف والسيرة والخلاف وكل ما يخطر على بال باحث من المسائل المتصلة بالإسلام، ولكنا لا نجد فيها كتاباً واحداً لخص الإسلام كله تلخيصاً وافياً، وعرضه عرضاً واضحاً، يقرؤه الشاب فيفهم، فيفهم فيه الدين كله كفهم الوافدين على النبي الدين، حين دخلوا فيه أفواجاً. . .
ولقد أحسست بهذا النقص منذ ابتداء عهدي بالطلب، وعرضت له في رسائل (في سبيل الإصلاح) التي نشرتها في دمشق (أثر عودتي من مصر سنة ١٩٢٩). بيد أني لم أعرف خطره إلا أمس، حين درست الدين في مدارس العراق، وشرحت للطلاب مزاياه، وكشفت لهم عن عظمته، فكانوا يتشوقون إلى زيادة الاطلاع، ويرغبون في متابعة الدرس. فيسألونني عن الكتاب الذي يجدون فيه خلاصة الدين، كما يجدون خلاصة الطبيعة أو الهندسة في كتاب واحد، فأفكر فيه فلا أجده، ولا أجد إلا علوماً كثيرة من كلام وفقه وحديث وتفسير فيها آلاف من الكتب، يعتدها المؤرخون أثمن تراث للعقل البشري وأغناه، ولكنها أصبحت اليوم بالية الأسلوب، قديمة الطراز، كحلية من الذهب، ما نقص الذهب ولا خاس، ولكن أنكر الشكل وتغيرت الأذواق، والصائغ الماهر يحول الحلية من حال إلى حال. . . وكنت أخاف أن ينصرف الطلاب عن دراسة الإسلام، وتموت في نفوسهم الرغبة فيه، إذا أنا دللتهم عليها وأردتهم على قراءتها. وليت شعري أأقول للطالب الذي تدع له دروسه الكثيرة، إلا بقية من وقت، آثر أن يشغلها بدراسة الدين عن أن ينفقها في حق نفسه وراحتها، أأقول له، إنك لا تفهم الإسلام حتى تقرأ (النسفية) و (السنوسية) وأشباهها