وتدخل في كل باب من أبواب الفلسفة الفارغة. . . والجدل العقيم. . . وتدور مع المذاهب الباطلة والرد عليها، والآراء الخاطئة ودفعها، وتحفظ كفر أقوام انقرضوا وانقطع دابرهم، كل ذلك لتفهم التوحيد الذي جاء به النبي صلى الله عليه واضحاً سهلاً لا فلسفة فيه ولا جدال. . . وتقرأ (الطخطاوي) والشرنبلاني أو (الباجوري) أو غيرهما من كتب الفروع، وتملأ الرأس منك فروضاً مستحيلة، واحتمالات بعيدة، تتخلل الأحكام، وتجئ مع قوانين الشريعة، كل ذلك لتعرف كيف تصلي وتصوم، وقد كان البدوي يتعلم الصلاة والصيام في ساعة واحدة ويؤديها من بعدها على وجه الكمال. . . وتقرأ (شروح النار) أو (جمع الجوامع (وتكسر دماغك في كلام هو (والله العظيم) أشبه بالطلاسم والأحاجي منه بالعلم وأسلوبه المبين، لتفهم أصول الفقه، والأصول في هذا الدين ثابتة ثبوت الجبال، واضحة وضوح الشمس، مستقيمة كخيوط النور لا عوج فيها ولا التواء، ولا غموض ولا إبهام. . . وتقرأ (النخبة) أو (مقدمة ابن الصلاح) لتفهم مصطلح الحديث، وتقرأ بعد ذلك شيئاً كثيراً. . . ثم لا تنجو بعده من أن يتهمك الحشويون بأنك وهابي، والسلفيون بأنك قبوري، ولن تعدم من يتبرع بتكفيرك من أجل بحث في كرامات الأولياء، أو كلام في السفور، أو رأي في ابن عربي. . . فأين الشاب المشغول بدروسه المتهيئ لفحصه من هذا الخضم الذي يغرق فيه لو خاضه؟ أو لا يعذر الشبان إذا لم يقدروا على درس الدين في كتبه، ولم يجدوا من يفهم عنهم أو يفهمون عنه من علمائه، فآثروا السلامة، وابتغوا من العلوم والدراسات ماله كتب مفهومة، وخلاصات واضحة؟
أحسست بهذا النقص البين، فكتبت في وصفه وخطبت مراراً وسألت من توسمت فيه من العلماء سده وإكماله، فوجدت من (علمائنا) والجمهور منهم لا يحسن شيئاً إلا إقراء الكتب التي كان قرأها على مشايخه من قبل، وشرحها كما شرحت له، فإن خرجت به عن الحواشي والشروح، عاد عاميَّاً لا يكاد يصلح لشيء , ووجدت أكثرهم بعيداً عن الأدب ليس من أهل البيان، ومنهم من لا يزال يظن (جهلاً) أن الإسلام كره الشعر وحرمه ويحتج بحديث: لأن يمتلئ جوف أحدكم. . . ولقد ثبت أن الذي يروونه جزء من الحديث رواية ويل للمصلين. ومن ابتعد عن الأدب، ولم يتمرس بأساليب البلغاء، لم يأت منه خير لأن علمه يقتصر عليه، فلا يقدر على بثه بقلم ولا بلسان. . . ووجدت أكثر (علمائنا) يعيش في