أصحيح أنني ألقيت بهذا اللون من الرسائل الحزينة ظلالا شاحبة كئيبة على حياتك الباسمة بين أحضان الريف. وتحت سمائه الصاحية الجميلة. فان يكن ذلك حقا؟ وانك قد أصبحت تضيق ذرعا حتى بهذا القدر التافه من العزاء الذي أجده في الكتابة إليك ترويحا لقلب عان ونفس ثائرة مضطرمة، فقد ينبغي لك أن تعلم أن الشجرة التي انتصبت في الفضاء، تهزأ بالأعاصير والأنواء. ساخرة متحدية. حتى عريت من أوراقها وتحطم الكثير من أغصانها، ما يزال في جذعها الضخم العنيد، وأعراقها الراسخة القوية، ما يعينها على الصبر إلى نهاية المعركة، حتى ينجلي ليل محنتها قليلاً قليلا. ثم يطالعها في أعقابه فجر باسم حالم، ينبت فيها أوراقا بأوراق، وينشئ لها أغصانا بأغصان. ويومئذ تفيء الطيور إلى ظلها الوارف الظليل: لتملأ هذه الأجواء الحزينة شدوا شجى النغم حلو الرنين، يعيد إلى هذا القلب الذي هانت عليه آلامه فيضا دافقا من حلاوة المنى ولذة الأمل. وإذن فسأحتجن هذه الآلام من دونك بعد اليوم في صدري: فما يزال فيه قدرة على احتمال المزيد منها. وسأدير الحديث إليك في هذه الرسالة حول شخص لا تعرفه، قد آخت بيننا سهمة من الألم المشترك، وسأنفض إليك جملة حاله وجماع قصته علني أقف منك على رأي تراه له، لأنني - وأنت تعرف رأيي في المرأة - تحرجت من إبداء رأي قد يفسده ما أحسه اليوم في قلبي بسببها من جراح وندوب. والحق أنها قصة تعتبر تصويرا صحيحا لمشكلة من مشاكلنا الاجتماعية. أو قل إنها ثورة عنيفة على بعض تقاليد الأسرة المصرية وتحطيم لها. أو قل أنها استجابة حارة لهتاف الروح ودعوة القلب، وهي لهذا الذي أسلفت لك جديرة بشيء من العناية غير قليل.
انحدر إلى هذه الدنيا وحيدا لأبوين رزقاه على وجد للبنين بعدما كادت الأيام تشرف على ربوة العمر. فتهيأت له من هذه الناحية طفولة ناعمة مدللة أسلمته إلى دار من دور التعليم جعل يتخطى سني دراستها غير وان ولا متخلف، حتى وصل إلى السنة الثانية من دراسته في كلية الحقوق بالجامعة المصرية. وعندئذ بدأ الجدول العذب الذي كان يتسلسل في طريقه سهلا رفيقا يتحول إلى طريق ملتوية مليئة بالجنادل والأحجار. فقد توشجت بينه